السبت, 31 مايو 2025 10:33 PM

لماذا استغنى ترامب عن إيلون ماسك؟.. قراءة في دلالات الخروج وتأثيره على "الترمبية"

لماذا استغنى ترامب عن إيلون ماسك؟.. قراءة في دلالات الخروج وتأثيره على "الترمبية"

ميخائيل عوض

1. في ولايته الثانية، ابتكر ترامب وزارة الكفاءات الحكومية، كلجنة استشارية رئاسية مخططة، وكلف بقيادتها رجلي الأعمال المليارديرين “إيلون ماسك “و”فيفيك راماسوامي”. لماذا رجلا أعمال؟ وقد حظي ماسك برعايةٍ وحضورٍ استثنائي في الحملة الانتخابية وفي احتفال التنصيب، ثم كاد يهيمن على الإدارة أو هكذا تمَّ تصويره، وبدأ من فوره بحملة تطهير واسعة في الحكومة الاتحادية، ورفع المنشار الكهربائي إشارةً منه إلى عزمه على التطهير الشامل، وأعلن عن خططٍ لتوفير تريليون دولار.

2. أثارت خطط وإجراءات ماسك حملةً واسعةً في الأوساط البيروقراطية وأعمدة الدولة العميقة والإعلام. واتُهم بالفردانية والتعسف والصبيانية. وذهب البعض لوصفه بأنه “الرئيس” بينما ترمب مجرد “كومبارس”. لم تَطل إقامة ماسك في الوزارة، فقد اشتبك مع وزير الخزانة ووزير الخارجية. فإجراءاته حازمة، وعقله مختلف، ويعمل بإيقاع سريع. فعقله مبرمج على الخوارزميات، ما استنفر كتلاً وقوىً وفرقاء في الدولة والمجتمع بما في ذلك مشرعي الحزب الجمهوري الذين يحبذون شراء الاصوات بديون تثقل كاهل الاحفاد على ترميم عجز الموازنات فسرعة ماسك وجراته وعمليته لم يعتادوا عليها ولن يقبلوها قبيل الانتخابات النصفية فعقل ماسك وقراراته تصلح لشركاته الخاصة الربحية وليس لدول ثقيلة توظيفاتها واتفاقها يمثلان المصدر الاساسي للربح وللنفوذ السياسي!؟. تحول ماسك إلى عبء على الترمبية وشخصية إشكالية، فحوله إلى مستشار في البيت الأبيض، وانتهى به المطاف بالاستقالة، فودعه ترمب بكثير من الحفاوة، قال البعض أنها تخفي تنافراً وامتعاضاً بين الرجلين.

3. ماسك من موصوف بأنه الرئيس الفعلي، إلى وزير مع شريك في وزارة هي بدور استشاري، إلى مستشار، ومن ثم خارج العصبة القابضة على القرار في البيت الأبيض. ماذا تغير وما الدلالات؟ لن يكون لخروجه تأثيرات سلبية، ولا هو دليل عن انفراط عقد عصبة ترمب، وليس فيها مؤشرات عميقة أو عملية على انكسار حملة ترمب لتصفية أركان وأعمدة الدولة العميقة، دولة الشركات ولوبي العولمة. الصحيح؛ أنَّ ماسك وفر بضرباته ١٥٠ مليار دولار محققة، ولم يبلغ الهدف بتريليون دولار. إلا أنه في الأسابيع القليلة التي أمضاها في وزارة الكفاءات كشف الغطاء عن الفساد والمحاباة والبيروقراطية والانفاق الانتخابي والسياسي. وهتك عرض الدولة العميقة، وأركانها، وفكك شبكاتها، وأطلق موجةً من التغيرات تتراكم وتتحول إلى مسار وخياراً ليس في طبيعة ومهام وأداء الدولة الأمريكية ومؤسساتها بل على مستويات مفهوم الدولة ومهامها في عصر الذكاء الصناعي والشبكات الخوارزمية.

4. الصح؛ أنَّ ماسك لم يقيم طويلاً، ولم يشهد على إنجازات ضخمة، ولم تكتمل مهمته بوضع رؤيته وخطته موضع التنفيذ التام، لكنه غير حدياً في مسار القطار وعكس الاتجاه، وليس من قوة تستطيع إعادة الأمور لما كانت عليه. فقدم خدمات جليلة ونوعية لترمب في الحملة الانتخابية والتبرعات، وفي الأسابيع الأولى لعهده، وأطلق مشروعه بعزم واندفاع صاروخي. ولما لم يعد لبقائه جدوى كبيرة، وقد اخذ يتحول إلى مشكلة قد تزعزع صلابة ووحدة العصبة، سارع ترمب وسهل مغادرته، كما استعجل المغادرة الخسائر التي منيت بها شركاته جراء إجراءات ترمب وحربه التجارية والضرائبية. من الواضح أن دخول ماسك العصبة كان مفيداً ومحركاً نوعياً، وبعد أن استقرت ورسخت وأنجزت الخطوات التأسيسية للترمبية في أمريكا وإدارتها لم يعد له كبير الفائدة. فرحل، ورحيله لن يترك آثار سلبية وسرعة ترحيه تعكس اليات تفكير ترمبيه.

5. ما يحتاج إلى تدقيق وبحث ونقاش؛ هو شخصية ترمب وطريقته في الإدارة، وخططه لتحقيق غاياته وصفقاته، وإن فُهِمت على حقيقتها تؤسس لفهم “أمريكا الترمبية”. وأيضاً لمعرفة وضبط استراتيجياتها وخططها في إدارة العالم وتوازناته وصراعاته. وبهذا الصدد نلفت النظر إلى ما أنجزه، وبات قاب قوسين من إتمام مهمة إعادة هيكلة مجلس الأمن القومي وإخضاعه وإعادته إلى حجمه مؤسسةً تابعةً لوزارة الخارجية، وليس مركزاً محورياً مهيمناً في صياغة السياسات وفرضها. فقد أقال المستشار لأسباب أُعلنت بسبب موقفه من الملف الإيراني وتفاهماته مع نتنياهو والبنتاغون، لحَرف الترمبية وتوريطها بالحروب لإجهاضها، وقد فاجأ ترمب الجميع بأنه عَكَس الاتجاه.

6. ومشروعه الأهم الجاري إنجازه؛ إجهاض وزارة الخارجية، وإعادة صياغتها وتأسيسها، وتحريرها من البيروقراطية، وولائها للبنتاغون ولوبي صناعة الحروب. فقد فوَّض وزير الخارجية بإدارة مجلس الأمن القومي، وأشغله في وزارة الخارجية، بينما عيَّن وسمَّى لإدارة الملفات الخطرة والهامة رجال من عصبته، وكلهم تجار صفقات ناجحين -كما يصفهم ترمب- فمبعوثه للمفاوضات الروسية الأوكرانية، وللملف الفلسطيني وحرب غزة، والسفير في تركيا ممثله الشخصي في سورية، تاجرٌ ورجل صفقات ومن أصول سورية. وسفيره في لبنان من أصل لبناني وتاجر صفقات، وهكذا.

7. سيُخطِئُ الكثيرون في التعامل مع ترمب، وما يبدو في تصرفاته من تقلبات وارتجالية ومفاجآت، وسيفسرون مغادرة ماسك على غير أسبابها وحقيقتها، وسينفخون في تقدير وافتراض نتائج سلبية وأدلة على تعثر الترمبية. إلا أننا ننصح بالتعقل والتمهل والتعمق بفهم شخصية ترمب ومشروعه، والتدقيق بما يفعل لا بما يقول ويغرِّد. الترمبية صلبة وماضية في مشروعها لإعادة هيكلة أمريكا والتوازنات العالمية. إيلون ماسك فرد أسهم في إطلاق الحقبة الترامبية، وخروجه من العصبة لن ينعكس سلباً، ولن يغير في الاتجاه أو يضعف الخيار. وشراء الكفاءات والاستثمار بها ثم رميها خارجا قاعدة تفكير وممارسة امريكية منذ ألتاسيس.

(أخبار سوريا الوطن ١-الكاتب)

مشاركة المقال: