الإثنين, 26 مايو 2025 04:39 AM

كارثة زراعية في اللاذقية: الجفاف يهدد الحمضيات والقمح وينذر بعجز غذائي

كارثة زراعية في اللاذقية: الجفاف يهدد الحمضيات والقمح وينذر بعجز غذائي

تواجه محافظة اللاذقية، كباقي مناطق الساحل السوري، أزمة زراعية متفاقمة بفعل موجة الجفاف التي ضربت البلاد خلال الموسم الزراعي 2024–2025، وسط غياب الحلول الحكومية وارتفاع تكاليف الإنتاج، ما أدى إلى خسائر فادحة في محاصيل رئيسية تشكل عماد الأمن الغذائي للمزارعين والسكان على حدّ سواء.

مزارعو الحفّة يطلقون نداء استغاثة

في بلدة الحفّة شرق اللاذقية، يروي الفلاح معد أبو زياد معاناته قائلاً: “محصول الحمضيات تضرر بنسبة 60%. نعتمد على الآبار الارتوازية لري البساتين، لكنها تحتاج إلى محروقات بأسعار خيالية، والمولدات الكهربائية شبه مفقودة. الكهرباء مقطوعة، وليس لدينا أي وسيلة لتجميع مياه الري”.

أما الفلاح مطيع أبو محمود، فأشار إلى أن محصول القمح هذا العام تراجع بشكل كبير: “لا يوجد دعم حكومي، ولا أسمدة، ولا مياه كافية. الجفاف أتى على الأخضر واليابس”.

في السياق ذاته، أكد مزارع آخر من الحفّة أن زراعة التبغ أصبحت عبئاً لا مردود منه، مضيفاً أن “تكاليف السقاية وحدها تكفي لإعلان الموسم فاشلاً”.

بيانات رسمية صادمة

بحسب إحصائيات صدرت عن مديرية الزراعة واتحاد الفلاحين في اللاذقية، فقد تراجعت خطة زراعة القمح إلى 37% فقط، بزراعة 2168 هكتاراً من أصل 6428 مخططة، فيما بلغت نسبة تنفيذ زراعة الشعير 40%، بمساحة 154 هكتاراً فقط.

وقال رئيس اتحاد الفلاحين في المحافظة، ماجد محمود في تصريحات صحفية، إن “الجفاف أضعف نمو المحاصيل، وأخرج مساحات واسعة من دورة الإنتاج. الفلاحون غير قادرين على شراء الأسمدة، والأسعار ارتفعت بشكل غير مسبوق. دورنا يقتصر على رفع مطالبهم إلى الجهات المعنية”.

المهندسة الزراعية: موجة صقيع ثم جفاف

من جهتها، أوضحت المهندسة الزراعية منى زمو أن الضرر لم يقتصر على الجفاف فقط، بل سبقه موجة صقيع أثرت بشكل مباشر في النموات الخضرية للأشجار، وخاصة في بساتين الحمضيات.

وأضافت في تصريحات لمنصة سوريا 24 أن الحرارة المرتفعة خلال فترة التلقيح أدت إلى انخفاض معدل عقد الثمار، لا سيما صنف “أبو صرة”، مشيرة إلى أن “قلة التسميد نتيجة غلاء الأسعار سببت إجهاداً عاماً للأشجار وظهور علامات اصفرار وتراجع نمو ربيعي واضح”.

وتوقعت زمو “تشققاً كبيراً في الثمار وتلفاً جزئياً في حال غياب الري حتى موسم الأمطار المقبل”، مشيرة إلى أن البساتين غير المخدَّمة أو التي تفتقر إلى الري الحكومي من سد الثورة تعتمد على الآبار، وهو ما يعجز عنه معظم الفلاحين بسبب أسعار المولدات والمحروقات.

زيتون وتبغ في دائرة الخطر

محصول الزيتون لم يكن أوفر حظاً. فبحسب المهندسة زمو، فإن صنف “الخضيري” شهد ضعفاً كبيراً في تكوين البراعم، في حين بدا صنف “الدرملالي” أكثر حساسية للجفاف، مع تراجع ملحوظ في الإزهار والعقد، وتوقع بانخفاض في كمية الزيت وجودته.

وأشارت إلى “احتمالية الإصابة بذبابة الزيتون مع استمرار الجفاف وغياب التدخل الوقائي”.

تحذيرات علمية وأممية

في تصريح لـ”سوريا 24″، أكد الدكتور منهل الزعبي، مدير إدارة بحوث الموارد الطبيعية في الهيئة العامة للبحوث الزراعية، أن التغيرات المناخية باتت تهدد سوريا بشكل مباشر: “الجفاف، التصحر، إزالة الغابات، وحرائق الصيف ليست أعراضاً طارئة بل هي جزء من نمط متصاعد. قطاع الزراعة هو الأكثر تضرراً، لكن التأثير يمتد إلى الصحة، والطاقة، والنقل”.

وأشار إلى أن “ارتفاع درجات الحرارة بنسبة بسيطة قد يؤدي إلى زيادة التبخر بمعدل 25%، ما يعني نقصاً حاداً في المياه قد يصل إلى 50%”.

ولفت إلى أن الساحل السوري، رغم طبيعته المناخية الرطبة، سجل انخفاضاً بنسبة 35% في معدلات الهطول، مما يهدد التوازن البيئي والإنتاج الزراعي على حد سواء.

من جانبها، حذرت منظمة الأغذية والزراعة (FAO) من “خطر فشل نحو 75% من محصول القمح في سوريا هذا العام”، وتوقعت “عجزاً غذائياً يُقدَّر بـ2.7 مليون طن قمح”.

وأشارت المنظمة إلى أن “رفع العقوبات المفروضة على سوريا قد يساهم في تسهيل استيراد الأسمدة وتقنيات الري، مما قد يخفف من آثار الأزمة”.

لا بد من تحرك

مع استمرار الجفاف وغياب تدخل حكومي فعال، باتت الحاجة ملحة لاعتماد خطط طوارئ عاجلة تبدأ بتحسين كفاءة استخدام المياه لضمان استدامة الموارد المتاحة، وتقديم دعم مباشر للفلاحين عبر تأمين الأسمدة والوقود بأسعار مدعومة. كما أن التحول نحو الزراعات الأقل استهلاكاً للمياه يشكل ضرورة ملحة في ظل الشح المتزايد.

إلى جانب ذلك، تبرز أهمية تفعيل أنظمة الإنذار المبكر لمراقبة تأثير التغيرات المناخية والاستجابة لها بسرعة، فضلاً عن تعزيز الإدارة المتكاملة للموارد الطبيعية، وخصوصاً في المناطق الساحلية الأكثر هشاشة أمام الكوارث المناخية المتصاعدة.

مشاركة المقال: