زانا العلي – الرقة
يتفقد عبد الرؤوف العبد الله (50 عاماً)، وهو فلاح من قرية كسرة شيخ الجمعة نمو محصوله من القطن المُرّ بريف الرقة شمالي سوريا. ويتجول العبد الله بين الحقول الخضراء التي لا تجرؤ دودة القطن على الاقتراب منها، متسائلًا عما إذا كان هذا النوع من القطن هو الخلاص المنتظر من الحشرات، أم أنه خطر قادم بوجه زراعي مألوف.
قطن غامض
يقول العبد الله إنه قبل نحو ثلاثة أعوام، بدأ هذا النوع الغامض من القطن بالانتشار بين مزارعي محافظة الرقة، ولا أحد يعرف مصدره، لكنه يدهش الجميع بقدرته على مقاومة الآفات، وإنتاجه العالي. ويصل إنتاج هذا النوع من القطن، بحسب بعض التقديرات، إلى 800 كيلوغرام للدونم الواحد، مقارنة بالقطن العادي الذي نادراً ما يتجاوز 300 كيلوغرام. ويسميه السكان المحليون بـ"القطن المُرّ"، لأنه لا يجذب الحشرات كما تفعل الأنواع الأخرى، ويقول العبد الله: "زرعت القطن المُرّ لأن إنتاجه مستمر، لكن مشكلته أن تفتيحه متأخر مقارنة بأصناف مثل الرقّة 5 أو حلب 90". ورغم ميزاته فإن لهذا النوع خصوصية زراعية، إذ يبين أنه "يحتاج إلى ري منتظم وعناية دقيقة"، مضيفاً: "البذار متوفرة في السوق، لكننا لا نعرف من أين تأتي". وفي مناطق شمال شرقي سوريا، يعتمد العديد من المزارعين على زراعة القطن خلال موسم الصيف، ولكن يمتاز بالجفاف المتزايد، مما يزيد من حاجته المستمرة للمياه، إذ يصل عدد مرات ري محصول القطن في سوريا إلى أكثر من 12 مرة لضمان نمو الأزهار والبذور.
تساؤلات مقلقة
فيما يتابع المهندس حمود الشريدة، رئيس مكتب الوقاية في لجنة الزراعة بالرقة، هذا النوع من القطن عن كثب، ويشدد: "مصدر هذا القطن مجهول، بحثنا عنه كثيراً ولم نجد أي معلومات، لكنه بات متداولاً بشكل واسع بين المزارعين". ويطرح الشريدة فرضيتين لتفسير طبيعة هذا القطن، الأولى: "أنه نتيجة طفرة طبيعية في النبات جعلته غير مستساغ للحشرات، بسبب تحوّلات جعلت ثماره (الجوزة) قاسية وغير جذابة للآفات". ويضيف: "أما الفرضية الثانية وهي الأخطر والأرجح، أن القطن المُرّ معدل وراثياً، وربما تم تطويره في مختبرات خاصة أو شركات دولية، تُجري تجارب ميدانية في مناطق لا تخضع لرقابة علمية دقيقة، مثل شمال سوريا". ويقول الشريدة: "لو كانت مجرد طفرة، لعادت الصفات الوراثية إلى أصلها مع مرور الأجيال. لكن استمرار الصفات نفسها عبر السنوات، يرجح أنه قطن معدل وراثياً". ويُعبّر عن قلقه من أن يكون سكان المنطقة "تجارب لإحدى الشركات"، دون علمهم، مع احتمال حدوث آثار جانبية على البيئة أو الصحة العامة في المستقبل، سواء من خلال التربة، أو الحيوانات التي ترعى بعد الحصاد، أو حتى الإنسان الذي يلبس هذا النسيج لاحقاً. ورغم تلك المخاوف، لا يمكن الحسم بشكل قاطع، إذ يقول الشريدة: "لا أنا ولا أي مختص يمكنه الجزم بالحقيقة، لأننا نحتاج إلى أجهزة متطورة لتحليل الشيفرة الوراثية للنبات، وهذه غير متوفرة لدينا". ويتابع: "ربما توجد تقنيات لتحليل DNA في سوريا، لكن من المستحيل أن تحدد بدقة ما إذا تم تعديل المورثات أم لا، هذه قدرات علمية لا تمتلكها منطقتنا حالياً". ويعد القطن، الذي يسمى بالذهب الأبيض، من بين المحاصيل الأكثر استراتيجية في العالم، وخاصةً في منطقة الشرق الأوسط، حيث تكمن أهميته في استخدامه في صناعة الملابس واستخراج الزيت من بذوره وعدة استخدامات أخرى. وفي ظل غياب الرقابة والقدرات المخبرية شمالي سوريا، يبقى القطن المُرّ مزروعاً، ويتم حلجه كل عام، بينما تبقى الأسئلة معلقة بين أمل في إنتاج وفير، وخوف من مستقبل مجهول.