عنب بلدي – لمى دياب: تشهد أسعار السيارات في سوريا انخفاضًا ملحوظًا بسبب زيادة الاستيراد وتخفيف القيود الجمركية، مما أدى إلى تدفق كبير للسيارات إلى السوق المحلية وتأثيره على حركة السوق بشكل عام.
يشكو المستهلكون من أن معظم السيارات المستوردة مستعملة وتحتوي على عيوب، بينما يشير التجار إلى تراجع كبير في المبيعات خلال الأسابيع الأخيرة، مع زيادة المعروض مقابل ضعف الطلب.
انخفاض كبير في الأسعار
انخفضت أسعار السيارات بنحو 75% مقارنة بأسعارها قبل عام 2011، وفقًا لتاجر السيارات في دمشق، عمار المصري. وأوضح أن سيارة "هيونداي سوناتا" موديل 2011، التي كانت تتراوح بين 600 و700 مليون ليرة سورية (حوالي 40 ألف دولار أمريكي)، يمكن شراؤها اليوم بـ 10000 دولار أمريكي. وسيارة "كيا ريو" انخفض سعرها من 300 مليون ليرة سورية إلى 60 مليون ليرة سورية. وتختلف الأسعار حسب سنة الصنع و"نظافة السيارة" (المسافة المقطوعة، وجود قطع غيار مبدلة، أو حوادث سابقة).
يشير المصري إلى أن 80% من السيارات المستوردة حاليًا مستعملة، وأن السيارات الجديدة مرتفعة الثمن. ويضيف أن سوق السيارات كان نشطًا منذ عام 2011 حتى مارس الماضي، ولكنه يشهد ركودًا منذ حوالي شهر ونصف بسبب وفرة السيارات وضعف الطلب. أسعار السيارات الكورية أو الصينية القديمة تبدأ من 1500 إلى 6000 دولار أمريكي، بينما لا يقل سعر السيارات الجديدة المستوردة عن 8000 دولار أمريكي.
ويوضح المصري أنه بمبلغ 10000 دولار أمريكي، يمكن الآن شراء سيارة موديل 2011، بينما كان هذا المبلغ يكفي لشراء سيارة من التسعينيات قبل عام 2011، مضيفًا: "ليس لدى كل المواطنين القدرة على شراء سيارة حتى مع انخفاض الأسعار".
سلعة استهلاكية غير استراتيجية
منذ أن سمحت الحكومة السورية باستيراد السيارات دون قيود كبيرة، باستثناء شرط سنة التصنيع، يشهد السوق تدفقًا غير مسبوق للسيارات، وتحول من نقص حاد إلى وفرة كبيرة خلال أسابيع قليلة، بحسب الباحث الاقتصادي محمد السلوم.
ويرى السلوم أن هذا "الانفراج" هو في الواقع شكل من أشكال الإنفاق الاستهلاكي المفرط وغير المنتج الذي قد يعمق الأزمة الاقتصادية. ويقدر قيمة السيارات المستوردة خلال الأشهر الماضية بنحو 1.5 مليار دولار، وهو رقم كبير مقارنة بموازنة الدولة البالغة 3.9 مليار دولار. ويضيف: "هذه الكتلة النقدية ذهبت إلى سوق استهلاكية بحتة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري من ركود حاد وضعف في الإنتاجية".
ويؤكد السلوم أن السيارات سلعة استهلاكية غير استراتيجية، وأن دخولها إلى السوق يزيد الأعباء على صعيد الوقود والصيانة وقطع الغيار. كما يرى أن انهيار أسعار السيارات القديمة والمخزنة طبيعي بعد هذا الانفتاح غير المنظم ودخول أعداد كبيرة من السيارات دون رسوم جمركية أو ضريبة رفاهية، مما أحدث فرقًا سعريًا حادًا وجعل السيارات سلعة خاضعة لمضاربة سعرية لا تستند إلى تكلفة حقيقية.
الأثر الاقتصادي
يرى الباحث السلوم أن الاستيراد بهذا الحجم أدى إلى زيادة الطلب على القطع الأجنبي بشكل مفاجئ، مما سينعكس سلبًا على سعر صرف الليرة السورية والقوة الشرائية، خاصة في قطاعي الغذاء والدواء. وعلى المدى المتوسط، سيدخل السوق في دورة تضخمية مزدوجة بسبب زيادة العرض في سلعة غير منتجة وارتفاع تكاليف التشغيل المرتبطة بها.
ويقترح السلوم توجيه هذه الأموال نحو مشاريع متوسطة التكلفة ذات أثر مباشر على حياة الناس، مثل إنشاء مدن صناعية صغيرة أو دعم سلاسل القيمة الزراعية والتصنيعية في المناطق الريفية لتوفير فرص عمل وتحقيق اكتفاء ذاتي جزئي. ويضيف أن هذه المشاريع كفيلة بتدوير المال داخل الاقتصاد السوري بدل ضخه في سلع استهلاكية مستوردة وزيادة فاتورة الوقود والصيانة.
ويختتم السلوم بأن سياسة الانفتاح غير المنضبط على استيراد السيارات ليست سوى استجابة لطلب السوق دون رؤية اقتصادية، وأن المطلوب هو إعادة ضبط البوصلة الاستثمارية نحو المشاريع التي تولد قيمة حقيقية وتخفف من الاستنزاف المستمر للاحتياطي النقدي.
بواخر سيارات في طرطوس واللاذقية
أعلنت محافظة طرطوس عن وصول باخرة ثانية محملة بـ 1800 سيارة من كوريا إلى مرفأ طرطوس، واعتبرت ذلك ضمن "الخطوات المتسارعة لدفع العجلة الاقتصادية". وكانت المحافظة قد أعلنت في وقت سابق عن وصول أول باخرة سيارات بعد عام 2011، حاملة نحو 3200 سيارة إلى مرفأ طرطوس.
وذكرت وكالة "سانا" أن أول باخرة نقل تجاري تحمل سيارات وصلت إلى مرفأ اللاذقية في يناير الماضي، بعد أن سمحت وزارة النقل السورية باستيراد السيارات وفق شرط ألا يكون مضى على تصنيعها أكثر من 15 سنة. القرار لاقى انتقادات بسبب تأثيره على أسعار السيارات واستنزاف موارد القطع الأجنبي.
تسهيلات الاستيراد مؤقتة
أكد وزير النقل السوري، يعرب بدر، أن الوزارة بصدد اتخاذ إجراءات لإعادة تنظيم استيراد السيارات بعد أن أغرقت السوق المحلية بالسيارات الحديثة. وأضاف أن التسهيلات التي تم تقديمها لدخول السيارات كانت مؤقتة ولا تحظى بمقومات الاستدامة.