في ظل التحولات العاصفة التي تشهدها المنطقة، تبرز بوضوح مساعي حزب الله اللبناني لإعادة ترميم قدراته العسكرية، عبر تجديد مخزوناته من الأسلحة والذخائر، في خطوة تكشف عن رغبته في استعادة توازنه الاستراتيجي وتعزيز حضوره في الساحة الإقليمية.
ويتركز هذا الجهد بشكل خاص شمال نهر الليطاني، حيث يسعى الحزب لإعادة بناء قوته بعيدا عن أعين الرقابة الدولية، بينما يحافظ في الوقت ذاته على تعاون ظاهري مع الجيش اللبناني في الجنوب، في محاولة لكسب شرعية مؤقتة أو ربما لتخفيف الضغوط التي تواجهه.
لكن هذه الطموحات تصطدم بحائط من العقبات، تتمثل في الحكومة السورية الانتقالية التي أخذت على عاتقها، منذ تشكلها عقب انهيار نظام بشار الأسد، مهمة التصدي لشحنات الأسلحة المتجهة من سوريا إلى لبنان. فقد أصبح جهاز الأمن العام السوري لاعبا محوريا في هذا السياق، حيث يعترض باستمرار الأسلحة المنقولة عبر ممرات تهريب كانت راسخة في السابق، تديرها شبكات تعاونت مع حزب الله ونظام الأسد وإيران.
وفي تفاصيل دقيقة تكشف عن حجم هذا الصراع، استولت السلطات السورية في 25 مايو/أيار الحالي على شحنة ضخمة تضم أكثر من 100 صاروخ وعشرات الرشاشات، كانت تمر عبر محافظة حمص في طريقها إلى سهل البقاع، معقل حزب الله التاريخي. ولم تكن هذه الحادثة استثناء، فقد سبقها اعتراض شحنات مماثلة في 22 و28 مايو/أيار، تضمنت صواريخ وقاذفات وقذائف مدفعية، مما يشير إلى أن حزب الله يعتمد بشكل كبير على هذه المسارات لتجديد قوته.
وفي هذا الإطار، تظهر محافظة حمص كعقدة جغرافية حاسمة، متاخمة لسهل البقاع، مما يجعلها نقطة انطلاق رئيسية لعمليات التهريب. ومن المرجح أن تكون هذه الشحنات موجهة إلى مقاتلي الحزب في تلك المنطقة، في محاولة لتعزيز قدراتهم القتالية. لكن الحكومة السورية الانتقالية، بجهودها المستمرة لتفكيك هذه الشبكات، تضع عقبات جدية أمام هذه المخططات، مما يكشف عن تحول في موازين القوى داخل سوريا وخارجها.
ومن خلف الستار، تقف إيران كداعم رئيسي لهذه الجهود، إذ تسعى للحفاظ على حزب الله كذراع عسكري وسياسي قوي في المنطقة، عبر تقديم الدعم المالي واللوجستي. لكن هذا الدعم يواجه تحديات متزايدة، حيث تعمل الحكومة السورية الانتقالية على قطع خطوط الإمداد الإيرانية.
ففي 20 مايو/أيار، استهدفت وزارة الدفاع السورية وقوات الأمن العام شبكة تهريب أسلحة ومخدرات مرتبطة بإيران على الحدود السورية العراقية، واستولت على مخابئ أسلحة في البوكمال بمحافظة دير الزور، وهي منطقة كانت تشكل، في عهد الأسد، حلقة وصل برية حيوية بين إيران وحزب الله. وبعد سقوط النظام، فرضت الحكومة الانتقالية سيطرتها على هذا المعبر الحدودي، وبدأت في تقويض البنية التحتية التي أقامتها الميليشيات المدعومة من إيران، مما قد يحد من تدفق الأسلحة إلى لبنان ويبطئ عملية إعادة تشكيل حزب الله.
وفي هذا السياق، يبدو تعاون حزب الله مع الجيش اللبناني في الجنوب خطوة محسوبة بعناية، قد تهدف إلى كسب حسن نية الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية، أو على الأقل تخفيف الضغط عنه في الجنوب، ليتمكن من التركيز على إعادة البناء شمال نهر الليطاني. لكن هذه الاستراتيجية تظل رهينة بالتطورات السورية، حيث تعتمد نجاحها على قدرة الحزب على إيجاد مسارات بديلة للتهريب، أو على استمرار الدعم الإيراني رغم القيود المتزايدة.
وبالتالي، نحن أمام مشهد معقد يكشف عن صراع خفي بين قوى إقليمية ومحلية، حيث يسعى حزب الله لاستعادة قوته في ظل تحديات جمة، بينما تحاول الحكومة السورية الانتقالية تثبيت دعائمها عبر قطع خطوط الإمداد التي كانت تغذي هذا الحزب. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل سينجح حزب الله في التكيف مع هذه الظروف الجديدة، أم أن الضغوط المتفاقمة ستدفعه إلى إعادة تقييم استراتيجياته؟ إن الإجابة ستتوقف على مدى قدرة الحكومة السورية على ترسيخ سيطرتها، وعلى مرونة إيران في إيجاد سبل جديدة لدعم حليفها اللبناني.