عنب بلدي – حسن إبراهيم
كشفت وزارة الداخلية السورية مؤخرًا عن هيكليتها الجديدة، وذلك بعد تصريحات أدلى بها الوزير أنس خطاب في نيسان الماضي، حول خطط مستقبلية لوزارته التي تولى مهامها في آذار الماضي بتعيين من الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع.
التغيير الأبرز في الهيكلية الجديدة هو دمج جهازي الشرطة والأمن العام في جهاز واحد تحت مسمى "قيادة الأمن الداخلي في المحافظة"، يرأسه قائد واحد يمثل وزير الداخلية في المحافظة، وتتبع له عدة مديريات في المناطق التي تشكل جغرافيا المحافظة.
تأتي هذه الخطوات في إطار ترتيب الأوراق في وزارة الداخلية على صعيد الأجهزة والبنية التحتية والرقمية والهيكلية الإدارية، وقد تبعها تصريح من الوزير أنس خطاب أكد فيه أن "وزارة الداخلية تعمل لكي يشعر الناس أن الأمن معهم ولحمايتهم، والأيام المقبلة سترون وزارة الداخلية بصورة جديدة".
إلا أن جزئية الدمج هذه أثارت مخاوف وتساؤلات حول تداخل الصلاحيات وخلط الأدوار، خاصة في ظل ما شهده عهد حكم بشار الأسد من تحجيم كبير لدور وزارة الداخلية لصالح الأجهزة الأمنية، ما أدى إلى تغوّل وتسلط هذه الأجهزة على الوزارة، بالإضافة إلى التدخل الأمني في مختلف القطاعات.
"تعدد الرؤوس"
المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أوضح خلال مؤتمر صحفي في مبنى وزارة الإعلام بدمشق، حضرته عنب بلدي في 24 من أيار الماضي، أن الهيكلية الجديدة جاءت بعد مشاورات وجلسات ضمت حقوقيين وباحثين وأصحاب شأن، ووصفتها الوزارة بأنها "نابعة من الاحتياج المحلي، ومتماشية مع روح العصر".
بعد الإعلان عن الدمج، عينت وزارة الداخلية 12 قائدًا للأمن العام في 12 محافظة سورية (باستثناء الرقة والحسكة)، وهم:
- العقيد محمد جمعة عبد الغني قائد للأمن الداخلي في محافظة حلب.
- العميد غسان محمد باكير قائد للأمن الداخلي في محافظة إدلب.
- العميد محمد قصي يوسف الناصير قائد للأمن الداخلي في محافظة القنيطرة.
- العميد شاهر جبر عمران قائد للأمن الداخلي في محافظة درعا.
- العميد أحمد هيثم الدالاتي قائد للأمن الداخلي في محافظة السويداء.
- العقيد ضرار عبد الرزاق الشملان قائد للأمن الداخلي في محافظة دير الزور.
- العقيد عبد العال محمد عبد العال قائد للأمن الداخلي في محافظة طرطوس.
- العميد عبد العزيز هلال الأحمد قائد للأمن الداخلي في محافظة اللاذقية.
- العميد ملهم محمود العليوي الشنتوت قائد للأمن الداخلي في محافظة حماة.
- العميد مرهف خالد النعسان قائد للأمن الداخلي في محافظة حمص.
- العميد حسام مأمون الطحان قائد للأمن الداخلي في محافظة ريف دمشق.
- العميد أسامة محمد خير عاتكة قائد للأمن الداخلي في محافظة دمشق.
وأوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، لعنب بلدي أن الدمج بين جهازي الشرطة والأمن العام يشمل جميع المستويات (العناصر والإدارة)، والغاية منه هي منع تغوّل أي جهاز أمني ضمن وزارة الداخلية، كما حدث سابقًا في عهد الأسد عندما تغوّلت شعبة الأمن السياسي وأصبحت أكبر من الوزارة.
وأضاف أن الهدف من الدمج هو تدارك التقصير في العمل الشرطي وتقوية الضعف، والتخفيف من نفوذ وغلواء الأمن، لذلك رأت الوزارة أن الحل الأفضل هو الدمج.
في السياق السوري رأينا تداخلًا وتشابهًا في العمل الشرطي والأمني، رأينا الأمن الداخلي يعيد مسروقات ويقبض على السارقين، وهذا أمر شرطي، وبنفس الوقت كانت الشرطة تجري أعمالًا أمنية، لذلك فالدمج هو الأفضل.
نور الدين البابا
المتحدث باسم وزارة الداخلية
واعتبر المتحدث أن الدمج هو الأفضل حاليًا، مع إمكانية إحداث أو إعادة قيادة منفصلة للشرطة وأخرى للأمن لاحقًا، لكن الأهم في المرحلة الانتقالية هو وجود وحدة قرار على المستوى الأمني، وتجنب "تعدد الرؤوس" الأمنية والقرارات ضمن المحافظة الواحدة، حسب قوله.
التنسيق والفاعلية
قبل سقوط النظام السابق، لم تشهد سوريا حالة دمج بين العناصر الشرطية والأجهزة الأمنية، حتى في تجربة إدلب، حيث كانت تسيطر حكومة "الإنقاذ"، كانت الشرطة تتبع لوزارة الداخلية، في حين كان ينشط "جهاز الأمن العام" الذي اعتبر نفسه جهازًا مستقلًا بمهام ذات طابع أمني، وواجه احتجاجات محلية وانتقادات بوجود "تعذيب" في سجون تابعة له، قبل أن يتحول اسمه إلى "إدارة الأمن العام" وينضوي تحت "داخلية الإنقاذ"، في آذار 2024.
الباحث بالشؤون العسكرية في مركز "حرمون للدراسات" نوار شعبان، يرى أن للدمج بين جهاز الشرطة والأمن العام إيجابيات، منها أنه ضرورة للمرحلة الانتقالية خاصة في حالة دولة خارجة من نزاع، فهي بحاجة إلى أمور تقنية للإسهام بالعمل، منها تحسين وتعزيز التنسيق والفاعلية بين مختلف الوحدات الأمنية.
وأضاف أن الدمج يحسن الاستجابة للحوادث ويسهّل توزيع الموارد البشرية، وفيه تبسيط للهيكل الإداري، وتعزيز الشفافية والمساءلة وغيرها من الإجراءات التي تجعل من العمل مرنًا ومبسطًا.
ويرى شعبان أن السلبيات التي تنتج عن الدمج هي التداخل في الصلاحيات والمسؤوليات وحصول إرباك في تنفيذ المهام، إذ من الممكن أن تكون السلطة الأمنية أقوى من سلطة الشرطة المدنية، وبالتالي وجود مخاوف من أن يغلب الطابع الأمني على الشرطي.
ولفت الباحث إلى وجود تحديات التنفيذ، فالدمج بين جهاز الشرطة والأمن العام يتطلب أن تكون الكوادر متدربة على ذلك لمنع تداخل المهام.
المرحلة الانتقالية في سوريا تتطلب السرعة في العمل والسلاسة الإدارية، والدمج بين الشرطة والأمن تحت كتلة واحدة يساعد على المساءلة والشفافية، ومع سير الأحداث ربما تنتج السلبيات، ما يتطلب مراقبة آلية وعمل الدمج، لعدم حدوث تداخل الصلاحيات أو إضعاف طرف أو تحديات التنفيذ.
نوار شعبان
باحث في الشؤون العسكرية
تاريخ أسود مليء بالمشكلات
في الحالة السورية، لطالما ارتبطت صورة الأجهزة الأمنية بالقمع والتوحش، وتركزت تلك الصورة بشكل أكبر خلال الثورة السورية عبر الممارسات الوحشية التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية، سواء في الشارع أو في المعتقلات الخاصة بكل منها، الأمر الذي يجعل إعادة هيكلة تلك الأجهزة وعزلها عن التعامل مع المدنيين على رأس أولويات السوريين، وضرورة لبناء السلام بعد سنوات الحرب السورية، وفق دراسة نشرها مركز "عمران للدراسات" للباحث ساشا العلو، في 2019.
وذكر الباحث أن عمل وزارة الداخلية السورية تعتريه جملة من المشكلات الحقيقية، تفاقمت بعد العام 1970، إذ أصبح هناك تراجع تدريجي في عمل الوزارة وصولًا إلى بروز مشكلات كبيرة وعوائق أثرت سلباً على عمل الجهاز وأداء رجاله.
وأضاف أن أبرز تلك العوائق كانت على ثلاثة مستويات، الأول إداري وتشريعي تجلى بالمركزية الشديدة، وحصر معظم الصلاحيات بيد وزير الداخلية، والتحجيم لمصلحة الأجهزة الأمنية، وتغوّل شعبة الأمن السياسي، واشتراط الانتساب البعثي، والغربة عن المجتمع المحلي (غياب العلاقات الودية بين جهاز الشرطة والمجتمع المحلي)، وتعقيد الهيكل التنظيمي، وتفشي الفساد.
المستوى الثاني من العوائق كان الكادر البشري، ومشكلاته نقص الكوادر البشرية، وفرز ضباط من الكلية الحربية إلى وزارة الداخلية (ممن لا يحملون سوى الشهادة الثانوية، ما أدى إلى تراجع كبير في تكوين الخبرات القانونية اللازمة لسير العمل)، والافتقار إلى الكوادر الاختصاصية، ومحسوبيات الانتساب ونقص التدريب، وانتشار الطائفية في المفاصل، وتدهور العلاقة مع القضاء.
المستوى الثالث من العوائق كان الموارد المادية واللوجستية، من ضعف الموارد المادية، وضعف الإمكانيات التقنية، وبدائية أساليب التحقيق، وتدني أجور العمل، وفق الدراسة.