السبت, 31 مايو 2025 08:53 PM

خريطة جديدة للمنطقة: هل تتجه سوريا نحو الفيدرالية في ظل رؤية ترامب؟

أحمد رفعت يوسف: ما قاله المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، حول سورية والمنطقة، هو من أهم ما قيل حتى الآن، ولذلك من المهم قراءة مدلولاته ومؤشراته، لمعرفة الرؤية الأمريكية والغربية، لسورية والمنطقة بشكل عام.

النقطة الأهم في قول باراك كانت “إن الغرب فرض قبل قرن من الزمان، خرائط وانتدابات، وحدودا مرسومة بالحبر، وإن اتفاقية سايكس بيكو، قسمت سوريا والمنطقة، لأهداف استعمارية، لا من أجل السلام.. إن ذلك التقسيم، كان خطأ ذا كلفة على أجيال بأكملها، ولن يتكرر مرة أخرى”. كلام باراك الذي تعود جذوره إلى المنطقة (من أصل لبناني) يدخل في عمق تاريخ وجغرافيا المنطقة، ويقدم نظرة جديدة إليها، تختلف عما سبقها من تصورات، ومشاريع أمريكية وغربية للمنطقة.

معروف أن مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي جاء به اليمين الأمريكي المحافظ، مع وصوله إلى البيت الأبيض، خلال إدارة الرئيس جورج بوش الابن، مع أفكار صراع الحضارات، لصاموئيل هنتنجتون ونهاية التاريخ لفوكوياما، حاول وراثة سايكس بيكو، ووفق رؤية وأجندة تقوم على تسليم المنطقة، إلى الأخوان المسلمين، تحت شعار (فليحكم الأخوان) وتقسيمها إلى كانتونات، على أسس دينية وعرقية، تدور في الفلك الإسرائيلي، وتم تقديم تركيا (الأردوغانية) كنموذج لهذا الحكم، لكن هذا المشروع تعثر في سورية، مع فشل التوقع بسقوط نظام الرئيس بشار الأسد (لأسباب عديدة) خلال فترة بين 2 – 3 أشهر، وتأكد فشله، مع سيطرة الجيش السوري السابق على حلب عام 2016، وما بعدها، وترافق ذاك مع تطورات إقليمية ودولية أهمها: عودة روسيا، إلى الساحة العالمية، كدولة عظمى. الصعود السريع للصين، وتهديدها لموقع ومكانة الولايات المتحدة في العالم. الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. اندلاع حرب أوكرانيا، وفشل الغرب في محاصرة روسيا، ودخول أوروبا في أزمات، اقتصادية وسياسية واجتماعية عميقة. طوفان الأقصى، وتداعياته الجيوسياسية العميقة.

هذا المسار، أكد سقوط اليمين الأمريكي المحافظ، وخياراته العسكرية، وأفكاره النيوليبرالية المتوحشة، وصعود ظاهرة الترامبية، المناقضة له. مشروع الشرق الأوسط الجديد، لم يسقط مع هذه التطورات الدراماتيكية في الأحداث، وإنما زادت أهميته والحاجة إليه، ولكن وفق الرؤية الترامبية، وهو التخلي عن الخيار العسكري، وتحوله إلى الخيار السياسي، والمنافسة الاقتصادية.

هذا التحول العميق في الخيارات، فرضه تطوران أساسيان: الأول: تداعيات طوفان الأقصى، التي أكدت عجز الخيار العسكري، عن فرض مشاريع الهيمنة والسيطرة، رغم نجاح إسرائيل، ومعها أمريكا، والقوى والدول المساندة، في توجيه ضربات مؤلمة، للمقاومتين والفلسطينية واللبنانية، وإسقاط النظام في سورية، وانكفاء إيران. والثاني: لعنة الديموغرافيا، التي لا يوجد حل إسرائيلي لها، وستجعلها تتلاشى وتنهار، خلال عقدين من الزمن لا أكثر، مع بقاء الخيار العسكري.

هذه التطورات، أكدت الخيار الترامبي، والذي رأيناه بكل وضوح، خلال زيارته الأخيرة للسعودية، وما رافقها من تطورات، أبرزها: الحصول على صفقات اقتصادية وتمويلية كبيرة. تكريس الدور القيادي للسعودية في المنطقة، وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد، بنسخته الترامبية، بدلاً عن تركيا، وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد، بنسخته التي سقطت، مع اليمين الأمريكي المحافظ. الدخول في مفاوضات مع إيران، حول برنامجها النووي، بدلاً عن الخيار العسكري، وفق ما تريده حكومة نتنيتاهو. لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس السلطة الانتقالية في سورية، السيد أحمد الشرع، والذي لم يكن مجرد استجابة (عاطفية) لطلب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وغيره من القادة، وإنما لضروراته العميقة، في استكمال التغيرات في المنطقة، وفق الرؤية الترامبية، بسبب استحالة تحقيق هذا المشروع، بدون الانخراط الجدي لسورية فيه، لأن لا استقرار في المنطقة بدون سورية، ولا تنمية ومشاريع اقتصادية بدونها، وهذا يؤكد أهمية دور وموقع سورية، كأحد أهم المفاتيح، في السياسة الإقليمية والدولية، ويوضح السبب الرئيسي لقرار التغيير فيها.

استكمال هذا التغيير، يتطلب تغيير الأنظمة والحكومات القائمة، على أسس دينية وعقائدية، وتشمل: إسقاط النظام الإيراني، كممثل للإسلام السياسي، بنسخته الشيعية، حتى ولو تم التوصل إلى اتفاق على برنامجها النووي، ونستطيع التأكيد، بأنه في اللحظة، التي يتفاوض فيها الأمريكيون، مع الإيرانيين، فإن غرف المخابرات الغربية، تخطط لاستهداف النظام الإيراني من الداخل. إسقاط حكومة أردوغان، كممثل للإسلام السياسي، بنسخته السنية، التي انتهى دورها، مع سقوط مشروع (فليحكم الأخوان). ** إسقاط حكومة نتنياهو، بخياراتها الصهيونية، القائمة على الخيار العسكري والهيمنة.

سورية اليوم، وسط هذه الرؤية الجيوسياسية الجديدة، أصبحت أمام طريق واحد، لا بديل عنه، وهو الانخراط التام، في الشرق الأوسط الجديد (الترامبي) وهذا يعني السلام والتطبيع مع إسرائيل، والدخول في الاتفاق الإبراهيمي، وهذا يتطلب، تحقيق كل المطالب المقدمة لحكومة الشرع، لتنفيذها في الداخل، وفي علاقاتها الإقليمية، وكل الدلائل، تؤكد أنها ماضية في هذا الاتجاه.

ومع الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العميقة، التي تواجه أوروبا، وتراجع أهميتها الجيوسياسية، فإن المنطقة، مرشحة لتكون البديل عنها، على شكل (ولايات متحدة جديدة) تشمل بلاد الشام، وعمقها الجيوسياسي، في العراق ومصر والأناضول، وصولاً إلى الخليج، وتكون قائمة على أسس فيدرالية، وفق النموذج السوري المتوقع، والقائم على ما يسمى (الأقليات) وتتكون بشكل رئيسي، من اليهودية، والمسيحية، والعلوية، والكردية، والدرزية، وغيرها من الأقليات، الأخرى مع دور رئيسي للسنة المعتدلين، وهذا يعيد للمنطقة دورها، كحاضنة للتنوع الديني، والسياسي، والاجتماعي، والثقافي.

هذا يعيدنا إلى الفقرة الأهم، لكلام توماس باراك، في توصيفه لمستقبل المنطقة بقوله “إن زمن التدخل الغربي انتهى، وأن المستقبل سيكون، لحلول تنبع من داخل المنطقة، وعبر الشراكات القائمة، على الاحترام المتبادل”. هذا التوجه، أكده مستشار الرئيس الروسي، ورئيس لجنة الدفاع والعلاقات الخارجية، سيرغي كاراجانوف في مقابلة مع التلفزيون الحكومي الروسي، بأن “الشرق الأوسط، سيكون المكان المزدهر، البديل لأوروبا، ما بعد فناء القارة العجوز” وهذا يؤكد، تلاقي رؤية الرئيسين ترامب وبوتين، حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط، والأزمة الأوكرانية، ومكانة أوروبا بشكل عام.

الصين يبدو أنها لن تستبعد عن هذه الرؤية، وقد تكون أحد أوجه التوافق الأمريكي الصيني، في حال استبعد الحل العسكري بين البلدين، بدليل أن الصين، سارعت إلى توقيع اتفاق، لاستثمارات كبيرة مع الحكومة السورية الجديدة، تتجاوز التعاون الثنائي، لتكون سورية، أحد أهم محطات الاستثمار الصيني، لعموم المنطقة.

المنطقة باختصار، مقبلة على التنمية، والتنافس السياسي الاقتصادي، بدل العسكري، وعلى الوحدة الفيدرالية، بدل التقسيم.

(أخبار سوريا الوطن ١-حوارية الصحفيين)

مشاركة المقال: