عنب بلدي – كريستينا الشماس
يواجه المواطنون السوريون صعوبة في تأمين المواصلات تزامنًا مع انتهاء عمل الموظفين الحكوميين في الظهيرة. وعلى الرغم من توفر المواصلات العامة وتحسن خطوط نقل "السرافيس" بشكل عام في مناطق دمشق وريفها بعد سقوط النظام، لا يزال المواطنون يتدافعون بحثًا عن مقعد فارغ في وسائل النقل العامة.
يجد بعض المواطنين أنفسهم أمام خيارات البحث عن وسيلة نقل آمنة وبأسعار تناسب مستوى دخلهم، في ظل تراجع التنظيم لسيارات الأجرة العامة (التاكسي) وارتفاع أجورها، وهو ما وفرته خلال السنوات الأخيرة شركات ناشئة تقدم خدمات التوصيل عبر تطبيقات إلكترونية.
وازداد الاعتماد على هذه التطبيقات بشكل ملحوظ في منطقة دمشق وريفها، فوجد المواطنون في هذه الوسائل حلًا وسطيًا بين تكاليف النقل المرتفعة والتجربة غير المنظمة التي يواجهونها مع سيارات الأجرة العمومية.
ما هذه الشركات؟
شركات ناشئة متخصصة في تقديم خدمات النقل للعملاء عبر تطبيقات ذكية، تعتمد على أنظمة تحديد المواقع (GPS) لربط السائقين بالركاب القريبين منهم، وبمجرد تحميل التطبيق، يمكن للمستخدم تحديد نقطة الانطلاق والوصول، واختيار نوع السيارة، وحتى معرفة اسم السائق وتكلفة الرحلة قبل انطلاقها.
وتعمل هذه الشركات على التعاقد مع سائقين يمتلكون سياراتهم الخاصة ويحتاجون إلى عمل إضافي، وبحسب ما رصدته عنب بلدي، فإن كل شركة تحدد مواصفات معينة للسيارات لقبولها في نظام العمل معها.
وفيما يخص عملية تحديد الأسعار بين المناطق، فتتم وفقًا لنظام تسعير ديناميكي يأخذ بعين الاعتبار المسافة المقطوعة، والوقت المقدر، وأوقات الذروة. ويحدد السعر المبدئي للرحلة قبل الموافقة عليها من قبل الراكب، مع الالتزام بوجود حد أدنى وأعلى للأسعار بما يضمن العدالة للطرفين.
ويتم الدفع غالبًا نقدًا، في ظل محدودية أنظمة الدفع الإلكتروني في سوريا، لكن بعض الشركات تسعى إلى تطوير بوابات إلكترونية وخدمات دفع عبر محافظ رقمية عند توفر البيئة القانونية والتقنية المناسبة لذلك.
ويصل عدد الشركات التي تقدم خدمات التوصيل إلى ما يقارب عشرة تطبيقات، وتختلف فيما بينها بأماكن التخديم بين المحافظات.
إقبال متزايد
بات العديد من المواطنين يفضلون الاعتماد على تطبيقات سيارات الأجرة بدلًا من "التكاسي" العمومية.
محمود السيد، موظف في شركة خاصة للألبسة ويقيم في منطقة برزة بدمشق، قال لعنب بلدي، إن الازدحام على المواصلات العامة في موعد خروجه من المنزل صباحًا دفعه لتجربة هذه التطبيقات. "أعرف متى ستصل السيارة، ومن السائق، ولا أضطر للدخول في جدال حول الأجرة، وهذا ما يريحني نفسيًا ويوفر علي الوقت"، قال محمد.
أشار حسام عبدو، موظف في إحدى الدوائر الحكومية بدمشق ويقيم في منطقة الدويلعة، إلى أن العامل الاقتصادي كان وراء لجوئه إلى استخدام تطبيقات سيارات الأجرة الخصوصية. كانت أجرة "التاكسي" العمومية التي تنقله بين منطقة سكنه ومنطقة المزة تصل إلى 55 ألف ليرة، بينما من خلال التطبيق تصل الأجرة إلى نحو 42 ألفًا. وأضاف، "التطبيق يوفر لي الأجرة بشكل واضح ومسبق، ما يريحني من المساومة الدائمة مع سائقي الأجرة العمومية".
عامل أمان
روت ابتسام الحلبي، وهي موظفة تعمل في شركة خاصة بدمشق، تجربة دفعتها إلى التحول نحو تطبيقات النقل الذكي. وقالت إنها في إحدى المرات استقلت سيارة أجرة من الشارع، لكن السائق غيّر مسار الرحلة بحجة وجود ازدحام، فشعرت بعدم الارتياح والخوف، ما دفعها لتجنب استخدام سيارات عشوائية مجددًا، وأصبحت تطلب سيارة عبر أحد التطبيقات.
وتتحدث تالا عواد، وهي طالبة جامعية تقيم في السكن الجامعي بمنطقة المزة، أنها أصبحت تعتمد على تطبيقات حجز سيارات الأجرة بشكل شبه يومي في تنقلاتها بين السكن الجامعي ومكان عملها في منطقة أبو رمانة. وأشارت إلى أن أحد أبرز الأسباب هو شعورها بالأمان، فما يميز هذه التطبيقات أنها تتيح لها معرفة اسم السائق ومواصفات السيارة وتتبع الرحلة.
وأضافت أنها بدأت باستخدام التطبيقات بعد سماعها عن حوادث تحرش واختفاء بعض الفتيات بعد ركوب سيارات أجرة من الشارع، وهو ما يمنحنها شعورًا أكبر بالطمأنينة.
فرص عمل جديدة
مثلت هذه الشركات بالنسبة للسائقين فرصة عمل جديدة في ظل تراجع النشاط الاقتصادي، وصعوبة تأمين دخل ثابت.
علي يونس، سائق يعمل مع عدد من شركات سيارات الأجرة في دمشق عبر سيارته الخاصة، أوضح لعنب بلدي آلية عمله. يتم التواصل مع هذه الشركات عن بعد ولا تتطلب وجود دوام إلزامي، على الرغم أنها لا توفر للسائقين احتياجاتهم من الوقود، فقط يقتصر عملهم على الوساطة بين الزبون والسائق عبر التطبيق، بحسب علي.
وتأخذ الشركات نسبة معينة من كل رحلة يقوم بها السائق، وتتراوح النسبة بين 12-15%، في حين تطلب بعض الشركات نسبة 20%، وفق ما قاله علي.
وتشترط الشركات التي تدير هذه التطبيقات توفر معايير محددة لقبول السائقين، من ناحية سلامة السيارة وحداثتها، وجودة الخدمة المقدمة، إضافة إلى التدقيق في السلوك المهني والتزام السائقين بقواعد اللباقة والاحترام.
يرى نبيل خوري (ستيني متقاعد) ويعمل مع تطبيق "وصلني"، بأن هذه التجربة سمحت له بفرصة جديدة في العمل، ووفرت له مردودًا ثابتًا، فراتبه التقاعدي الذي يصل في أحسن الأحوال إلى 280 ألف ليرة، لا يكفيه لثلاثة أيام في الشهر، بحسب قوله ويستطيع نبيل التحكم بأوقات عمله وأخذ رحلات منظمة، عبر معرفته بوجهة الزبون قبل موافقته على الطلب عبر التطبيق.
تجربة محلية
تبرز شركة "زاكن" كأحد تطبيقات سيارات الأجرة، وقال محمد نعيم، عضو مؤسس في التطبيق، لعنب بلدي، إن الهدف الأساسي تمحور حول تسهيل وتنظيم التنقل اليومي للمواطنين من خلال تجربة موثوقة وآمنة وبأسعار مدروسة.
وفيما يتعلق بالتعاون مع السائقين، أوضح نعيم أن عملية التسجيل تشمل تدقيق الأوراق القانونية، ومعاينة السيارة لضمان السلامة والنظافة، إضافة إلى تقييم أولي للسائق قبل تفعيله على المنصة.
وفي حال تأخر السائق عن تنفيذ الرحلة أو ورود شكاوى متكررة، يتم اتخاذ إجراءات تدريجية تبدأ بالتنبيه وتصل أحيانًا إلى تجميد حسابه.
وأضاف، "نملك فريق دعم مخصصًا يتعامل مع الشكاوى بشكل مباشر، فيتم التواصل مع الطرفين والتحقق من سجل الرحلة، ثم اتخاذ الإجراء المناسب سواء بالتنبيه أو تعويض الراكب".
وأشار نعيم إلى أن الشركة تسعى لتطوير خدماتها عبر توسيع نطاق عملها في التنقل بين المحافظات، إضافة إلى خطط لإدخال وسائل دفع رقمية، وخدمات مخصصة للشركات والمؤسسات.