الأربعاء, 28 مايو 2025 01:48 PM

تضارب المواقف الأمريكية حول إيران: هل المفاوضات في طريق مسدود؟

تضارب المواقف الأمريكية حول إيران: هل المفاوضات في طريق مسدود؟

خضر خروبي

بعد انتهاء الجولة الرابعة من المحادثات الأمريكية الإيرانية بوساطة عمانية، لا يزال الغموض يكتنف فرص عقد جولة خامسة قريبة، خاصة مع تضارب التصريحات العلنية من إدارة الرئيس الأمريكي حول التعامل مع الملف النووي الإيراني، بما في ذلك طرح شروط ترفضها طهران.

مواقف متناقضة

خلال زيارته الأخيرة للخليج، بدا الرئيس الأمريكي ميالاً لعقد صفقة مع إيران، وهو السيناريو الراجح وفق محللين، لأسباب منها تجاهل ترامب لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بضرب المنشآت النووية، وعدم ممانعة حلفاء واشنطن العرب، خاصة الخليجيين، لتسوية نزاعاتهم مع إيران سلمياً.

أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن القادة العرب الذين اجتمعوا بالرئيس الأمريكي خلال جولته في المنطقة، «دفعوه لإيجاد تسوية تفاوضية مع الإيرانيين»، مبينة أن تغير مواقفهم من اتفاق نووي جديد مع طهران، مقارنة بعام 2015، يعود إلى أن «البديل كارثي بالنسبة إليهم... فقصف إيران يساوي امتلاكها قنبلة نووية، وكلاهما سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المنطقة».

أضافت الصحيفة أن قرارات ترامب بشأن قضايا الشرق الأوسط، من اليمن وسوريا إلى غزة وإيران، ساهمت في «ظهور دينامية جديدة» في العلاقات بين واشنطن وتل أبيب، حيث يتم التعامل مع «هواجس» إسرائيل في ظل حكومة نتنياهو كمسألة ثانوية، مع عدم إهمال أمريكا لروابطها التاريخية مع الكيان أو وقف دعمه عسكرياً واقتصادياً.

أوضح المستشار السابق لنتنياهو، ناداف شتراوشلير، أن علاقة رئيس الحكومة مع ترامب «مختلفة عن علاقاته بالرؤساء الأمريكيين السابقين»، بمن فيهم بايدن. ففي عهد بايدن، كان يمكن لنتنياهو تأجيل القرارات، بينما «في حالة ترامب، تُفرض القرارات بالإكراه على نتنياهو إذا حاول معارضة توجهات الإدارة». ويرى شتراوشلير أن «إيران تقع في صلب» هذه التحولات في العلاقة، مما «يهدد الإرث السياسي لنتنياهو»، الذي يضع لجم الطموحات النووية الإيرانية على رأس أولوياته.

«سيناريو قصف إيران يساوي سيناريو امتلاكها قنبلة نووية»

في المقابل، يرجح فريق آخر سيناريو الضربة العسكرية لإيران، بسبب إصرارها على تخصيب اليورانيوم وعدم وضوح موقف واشنطن. صرح المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي، ستيف ويتكوف، بأن لدى بلاده «خطاً أحمرَ واضحاً مع إيران، وهو عدم التخصيب»، مؤكداً «(أننا) لن نسمح بذلك، حتى ولو بنسبة 1%». وفي مقابلة مع شبكة «إيه بي سي»، قال ويتكوف: «قدّمنا مقترحاً للإيرانيين نعتقد بأنه يعالج قضيّة تخصيب اليورانيوم من دون أن نقلّل من احترامهم»، في إشارة إلى نية واشنطن إقناع طهران بالتخلي عن مخزونات اليورانيوم العالي التخصيب وإرسالها للخارج.

أثارت تصريحات ويتكوف انتقادات إيرانية حادة، حيث اتهمه وزير الخارجية عباس عراقجي بأنه «بعيد عن واقع المفاوضات»، مؤكداً أنه «إذا كانت مطالب واشنطن غير واقعية، فلن نصل إلى نتيجة». واستنكر الوزير الإيراني «تضارب تصريحات المفاوضين الأميركيين مع ما يقولونه في السرّ» وما يصرّحون به في العلن، علماً أن ويتكوف نفسه لمّح إلى استعداد إدارة ترامب لقبول اتفاق يسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم لأغراض مدنية، عند مستوى 3.67%، كما في «اتفاق فيينا» عام 2015.

لاحقاً، وبعد مشاركته في اجتماع مع نظيرَيه القطري والعماني في طهران، جدّد عراقجي التأكيد على أن عملية تخصيب اليورانيوم ستستمر في إيران، موضحاً أنه «إذا رغب الجانب الأميركي في التأكد من عدم تصنيعنا السلاح النووي، فنحن مستعدّون لذلك».

أبدى البوسعيدي ترحيب بلاده بـ»المبادرة القطرية» لتقريب وجهات النظر بين الإيرانيين والأميركيين، مشيراً إلى بروز «مؤشرات إيجابية خلال الأشهر الماضية من جانب واشنطن»، فيما أعرب وزير الخارجية القطري عن أمله في «توصّل الولايات المتحدة وإيران إلى اتفاق منصف ودائم وملزم». وأشار الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إلى أن طهران لا يمكنها معرفة «نوايا الولايات المتحدة من وضع شرط تصفير التخصيب في البلاد»، معتبراً أنّ المشرّعين الأميركيين يخضعون لضغوط التيارات التي لا تؤمن بالدبلوماسية، ونواتها الأساسية «كيان الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يؤمن بأيّ طريقة للسلام والمحادثات».

وبحسب وسائل إعلام أميركية، فإن تراجع إدارة ترامب عن مواقفها السابقة يعود إلى ضغوط داخلية تمارَس على الرئيس، سواء من تيار داخل إدارته يؤيّد تفكيك البرنامج النووي بالكامل، أو من «صقور» الحزب الجمهوري في الكونغرس، عقب رسالة توجّه بها أكثر من 200 منهم لحثّ الرئيس على «الحزم» في شأن المطالب النووية للإيرانيين.

أشارت الخبيرة في الشؤون الإيرانية سوزان مالوني، إلى نية إيران البناء على خطوة ترامب المتمثّلة في إعلانه رفع العقوبات على سوريا، وترقّب مدى جدّيتها، مضيفة أنّ الإيرانيين «سيراقبون عن كثب، ما إذا كان سيستطيع استكمال خطوته» من خلال التعاون مع الكونغرس، أو عبر الصدام معه. وأكّدت مالوني حماسة ترامب للاتفاق مع إيران، مرجّحة أن يعمد الرئيس الأميركي إلى «القبول بصفقة معها تشتمل على ما هو أقلّ» ممّا يطالب به التيار المتشدّد في الكونغرس، وخصوصاً المحسوب على الحزب الجمهوري.

فرص النجاح والفشل

وفقاً لمحلّلين غربيين، فإن التداول بصيغ مختلفة جرى التباحث في شأنها بين الإيرانيين والأميركيين للتوصّل إلى اتفاق نووي جديد محتمل، لافتين إلى أن أيّ اتفاق «لن يكون صفريّاً في المحصّلة»، بحيث سيعمل على «مراعاة التوقّعات في الداخل الأميركي» حول مسار المفاوضات، والمنسجمة مع مطالب إسرائيل بتفكيك البرنامج النووي الإيراني من جهة، كما على «رغبة ترامب في إبرام صفقة» مع إيران، من جهة ثانية.

وبحسب هؤلاء، فإن من جملة البنود المطروحة على طاولة المفاوضات، ما يقوم على إبرام اتفاق ثنائي يتضمّن تأسيس «كونسورتيوم إسلامي» يتيح لدول المنطقة الاستفادة من الخبرات الإيرانية في التكنولوجيا النووية المدنية، في موازاة رفع العقوبات على مراحل ضمن خيارات تشمل تعزيز الاستثمارات الأميركية داخل إيران كشكل من أشكال ضمان عدم وقوع أيّ نزاع عسكري مع الجمهورية الإسلامية، وهو خيار تفضّله طهران؛ وأخرى تقوم على بلورة صيغة اتفاق، يشمل تجميداً طويل الأمد لأنشطة تخصيب اليورانيوم تحت إشراف دولي معزّز، إضافة إلى التخلّص من مخزونات اليورانيوم الإيراني العالي التخصيب، على أن يكون مرفقاً بضمانات تسمح للحكومة الإيرانية بشرائه من السوق العالمية، وهو خيار تحبّذه واشنطن.

مشاركة المقال: