عنب بلدي ـ عمر علاء الدين
منذ تشكيلها في 17 من أيار الماضي برئاسة محمد رضا جلخي، لم يصدر عن الهيئة الوطنية للمفقودين ما يوضح خطة عملها، أو الطريقة التي سيدار بها ملف بحجم المفقودين في سوريا، الذين يتجاوز عددهم 100 ألف مفقود بحسب تقديرات “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”. وبحسب المرسوم رقم “19”، تتولى الهيئة مهمة البحث والكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرًا، إضافة إلى توثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلات المفقودين.
ووفقًا للمرسوم، يعيّن محمد رضي جلخي رئيسًا للهيئة، ويكلف بتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي خلال مدة أقصاها 30 يومًا من تاريخ الإعلان.
ترحيب وخطة للتعاون
رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، كارلا كينتانا، رحبت بمرسوم الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، وتعيين الدكتور رضا رئيسًا لها.
ما “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”
تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 من حزيران 2023، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، جاء “استجابة للنداءات العاجلة من أفراد أسر الآلاف من الأشخاص المفقودين في سوريا لاتخاذ إجراءات لتحديد مصيرهم ومكان وجودهم”.
وينص القرار التأسيسي للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين على ما يلي:
- توضيح مصير ومكان وجود جميع الأشخاص المفقودين في سوريا.
- توفير الدعم الكافي للضحايا، بمن في ذلك الناجون والناجيات وأسر المفقودين.
كينتانا قالت في حديث إلى عنب بلدي، إن “إنشاء الهيئة الوطنية خطوة فعالة نحو قضية المفقودين وعلاقتها بالمصالحة الوطنية وبناء السلام. إنه اعتراف بالألم الذي تشعر به العائلات على أحبائها المفقودين والجرح الذي لا يزال مفتوحًا بكل بيت في سوريا”. وأضافت، “في إطار ولايتنا الإنسانية، تدعم المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين جهود سوريا للبحث عن جميع المفقودين دون استثناء، لقد فُقد أشخاص في سوريا خلال أكثر من 50 عامًا من حكم النظام، بما في ذلك 14 عامًا من الحرب”.
تشير جهود منظمات المجتمع المدني ومجموعات الضحايا على مدى سنوات عديدة إلى أن أعداد المفقودين تتجاوز 100,000 شخص، بحسب رئيسة المؤسسة المستقلة.
رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين كشفت عن تواصل أجرته مع رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، محمد رضا جلخي، واتفاقها معه على نقاط للتعاون. وأشارت إلى أن المؤسسة مستعدة للتعاون مع الهيئة ودعم جهودها، مضيفة، “لطالما قلنا إن البحث عن المفقودين يجب أن يكون بقيادة سورية وبدعم دولي”.
وتابعت أن “المؤسسة المستقلة” يمكنها تقديم الدعم الفني ومنهجيات الطب الشرعي المتقدمة وخطط البحث المحددة، وتعزيز البنية التحتية الوطنية وقدرات الموارد البشرية اللازمة للبحث، وتقديم الدروس المستفادة السابقة من التجارب الدولية المختلفة، وتنسيق الدعم الدولي للجهود الوطنية، وغيرها من الجهود.
شاملة دون تمييز
عضو “رابطة عائلات قيصر” ياسمين المشعان، اعتبرت تشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين “خطوة شاملة لكل المفقودين دون تمييز”.
وطالبت المشعان، في حديث إلى عنب بلدي، بمشاركة فعالة وحقيقية لعائلات الضحايا، تضمن مسارًا حيويًا لعمل هذه المؤسسة، وتضمن المراقبة والتقييم وتقديم الاستشارات، مشيرة إلى أن عائلات الضحايا ليسوا مقدمي معلومات، إذ إنهم اكتسبوا خبرة من خلال تجربتهم الخاصة بالبحث وتتبع المفقود وهذا ما سيسهم بتسهيل عمل المؤسسة.
واعتبرت “عضو رابطة عائلات قيصر”، أن العائلات بخبرتها قادرة على قيادة عمليات البحث وتقديم استشارات وصياغة استراتيجيات العمل، ومراقبة وتقييم عمل هذه المؤسسة وقياس مدى شفافيتها، إضافة إلى المساعدة في صياغة استراتيجيات الدعم وتقييم احتياجات العائلات، وتحديد المشكلات القانونية وتبعاتها التي عانت العائلات منها.
ووثقت رابطة عائلات قيصر 6000 شخص قتلوا تحت التعذيب من 2011 حتى 2017، من الصور التي سربها “قيصر”، وبعد سقوط النظام تواصلت عدد كبير من العائلات مع الرابطة للإبلاغ عن مفقودين وارتفع عدد المفقودين إلى ما يزيد على 130 ألف مفقود بحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، بحسب المشعان.
وترى المشعان أن الأولوية بالنسبة للهيئة الوطنية بالتعاون مع المؤسسة الأممية المستقلة وضع سجل للضحايا، وبناء مخبر للاستعراض، للتفكير بمرحلة ما بعد التحقيقات وهي كشف المقابر.
عقبات أبرزها كسب الثقة
يرى الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله، أن العقبات تتمثل بالنجاح في إعداد نظام داخلي للهيئة الوطنية للمفقودين، واضح ولا يتناقض أو يتكرر مع هيئة العدالة الانتقالية.
ووفق ما قاله العبد الله لعنب بلدي، فإن التحدي الآخر يتمثل بكسب ثقة المجتمع السوري وذوي الضحايا والروابط واللجان الفاعلة في الملف، وتشكيل فريق العمل بنجاح وبشكل نوعي من خبرات متنوعة تؤمن بشدة بقضية الاختفاء القسري ومعاناة السوريين من هذا الانتهاك الجسيم لحقوق الإنسان.
وشدد العبد الله على أن الموارد المالية والإنجاز بأسرع وقت ممكن، مع الأعداد الهائلة للمختفين قسرًا في سوريا، تمثل تحديات أخرى.
توصيات
خلال حديثها لعنب بلدي، قدمت رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، كارلا كينتانا، عدة توصيات للهيئة الوطنية للمفقودين وهي:
- البحث عن المفقودين في سوريا مهمة هائلة لا يمكن لأحد أن يقوم بها بمفرده، ومن الضروري التعاون مع جميع الهيئات الفاعلة والجهات المعنية ذات الصلة. يجب أن تتضافر جهود الجميع لدفع هذا الأمر إلى الأمام.
- إشراك العائلات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على هذا الأمر منذ سنوات أمر حيوي في عملية البحث عن المفقودين في سوريا.
- للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين دور مهم في مساعدة تقديم المعرفة والخبرة الخاصة والعمل معًا لدعم الجهود الوطنية.
كما قدم الباحث في مركز “الحوار السوري” نورس العبد الله توصيات للقائمين على الهيئة تتمثل بـ”إجراء جلسات خبراء جدية ومكثفة لإعداد نظام الهيئة وخاصة صلاحياتها”، والتي تكفل عمليًا إمكانية قيامها بمهامها المحددة، وهيكلها الإداري ومواصفات فريق العمل الأساسي، وكيفية اختيار الكوادر وضوابط الحوكمة الرئيسة كالمشاركة والشفافية والكفاءة والفعالية، كما دعا إلى “ضمان العلاقة المفتوحة والمساءلة الواضحة من قبل المجتمع”.
مشروع أولي
رئيسة المؤسسة المعنية بشؤون المفقودين في سوريا، كارلا كينتانا، قالت، إنه ومنذ تعيينها أجرت عدة لقاءات في جنيف وبروكسل ودمشق مع وزير الخارجية والمغتربين، أسعد الشيباني.
وبناء على طلب الوزير، “قمنا بتبادل وثيقة مشروع أولي حول سبل التعاون والدعم الممكنة، وتحديد الدور الذي يمكن أن نلعبه فيما يتعلق بالجهود السورية، كما أرسى هذا المشروع الأساس لنقاش بنّاء مع الدكتور محمد رضا، بحسب ما كشفته كينتانا لعنب بلدي.
وأضافت، “بالنسبة لنا، فإن أحد العناصر الأساسية للقيام بولايتنا بشكل كامل ولتعميق التعاون هو إنشاء وجود ميداني محلي. لقد تقدمنا بالفعل بطلب رسمي، وإشراك العائلات ومنظمات المجتمع المدني التي تعمل على هذا الأمر منذ سنوات أمر حيوي في عملية البحث عن المفقودين في سوريا”.