تخفيف العقوبات خطوة أولى نحو تعافي سوريا المنكوبة بالحرب، لكنه يتطلب جهودًا إقليمية ودولية منسقة.
ذكرت صحيفة ناشيونال إنترست أن اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع أحمد الشرع في الرياض شهد إعلاناً تاريخياً برفع الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا، تمهيداً للاستثمار وإعادة الإعمار لمساعدة البلاد على التعافي من 13 عاماً من الحرب الأهلية المدمرة. وأعقب ذلك إعلان مماثل من الاتحاد الأوروبي.
هذه التحركات، وإن كانت مرحباً بها، ليست سوى بداية الطريق. فمستقبل سوريا يعتمد على التدخل الاستباقي للقوى الإقليمية والعالمية المهتمة باستقرار دمشق. يجب على دول مثل السعودية والإمارات وتركيا اغتنام الفرصة لإحياء جهود إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية، مما يضع سوريا ما بعد الأسد على مسار يضعف نفوذ إيران ويقلل من تداعيات الصراعات على الدول المجاورة ويخفف من معاناة الشعب السوري.
بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر 2024، تسعى دول عديدة للتأثير على الحكومة الجديدة. وبينما يتردد جزء كبير من المجتمع الدولي في التعامل مع الشرع، فإن التقاعس ليس الحل. يجب على المجتمع الدولي المشاركة بفعالية في دعم عملية الانتقال من خلال جهود دبلوماسية أوسع واستثمارات وتدخل إنساني.
إن رفع العقوبات يجب أن يقترن بجهود أوسع لتجنب عواقب وخيمة مثل استمرار الحرب الأهلية والنزوح الجماعي والاتجار بالأسلحة وتهريب المخدرات.
لدى معظم شركاء الولايات المتحدة وحلفائها، وخاصة تركيا والسعودية، مصلحة في استقرار سوريا في ظل حكم الشرع، لكن التردد يعيقهم. نهج "الانتظار والترقب" لن ينجح، وكلما طال أمد غياب الدعم الدولي، زاد احتمال تعرض سوريا لموجات متزايدة من العنف الطائفي.
يجب على شركاء واشنطن الاستفادة من زخم تخفيف العقوبات لتسهيل عمليات الإغاثة ومشاريع البناء، والتي قد تتطلب ميزانية تتراوح بين 250 و400 مليار دولار.
لدول الخليج دور في استخدام مواردها المالية لدعم الاستقرار الإقليمي والحد من النفوذ الإيراني. وقد سددت السعودية وقطر مؤخراً ديون سوريا للبنك الدولي لتسهيل عودة البلاد إلى النظام المالي العالمي.
لتحقيق أكبر أثر، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي الشراكة مع تركيا لقيادة الاستثمار في الاقتصاد السوري وجهود إعادة الإعمار. من المتوقع أن يخفف تخفيف العقوبات من قلق المستثمرين ويشجع الشركات على العودة إلى سوريا.
تتأثر سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا بضغط إسرائيل، التي تفضل حكومة ضعيفة ولامركزية. ومع ذلك، قد يؤدي اندلاع حرب أهلية أخرى إلى صعود نظام أكثر خطورة، مما يهدد المنطقة بأسرها.
يستفيد جيران سوريا من حكومة أكثر استقراراً واقتصاد سوري فعال. مصالح تركيا تتمحور حول منع قيام دويلة كردية وتشجيع عودة اللاجئين السوريين.
الاتفاق بين دمشق والأكراد على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية الكردية في حكومة مركزية يشير إلى أن تركيا قد لا تحتاج إلى القلق بشأن منطقة حكم ذاتي تهدد أمنها.
حل قوات سوريا الديمقراطية (SDF) يفتح الباب أمام إنهاء الصراع في شمال شرق سوريا. وقد وصف الرئيس التركي أردوغان رفع العقوبات الأمريكية بأنه مثال يُحتذى به.
يجب على تركيا تقديم التمويل والتدريب والدعم العسكري لدمشق لتوحيد الجماعات المسلحة في جيش مركزي، مما يمنع العنف الطائفي ويواجه تنظيم داعش.
بدعم مالي من الولايات المتحدة، يلعب أكراد شمال شرق سوريا دوراً أساسياً في منع عودة ظهور داعش. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على السجون ومراكز الاحتجاز التي تضم مقاتلي داعش وعائلاتهم.
تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 2000 جندي في شمال شرق سوريا، لكن خفض عدد القوات الأمريكية قد يكون غير حكيم.
لقد ضمن الشرع للأكراد حقوقهم السياسية والدستورية، لكن تفاصيل الدستور السوري المستقبلي ستستغرق وقتاً. يجب إيجاد حل سريع ودائم لمشكلة الاحتجاز والمقاتلين الأجانب في شمال شرق سوريا.
من مصلحة الولايات المتحدة مواصلة التعاون مع دمشق لتشجيع الشرع على الاعتماد على الغرب للحصول على المساعدة الاقتصادية.
يحتاج 70% من السكان في سوريا إلى المساعدات الإنسانية، ومخاطر العنف الطائفي قائمة، والاقتصاد متضرر بشدة. يجب أن يتنافس الدعم لإعادة الإعمار مع الأزمات الأخرى في غزة وأوكرانيا والسودان.
يجب على الشرع إعطاء الأولوية لتعزيز الأمن والاستقرار وإثبات أن البلاد قد تجاوزت منعطفاً حقيقياً. اجتماعه مع الرئيس ترامب في الرياض إنجاز هام.
نظراً لتداخل المصالح، فإن ما سيحدث في سوريا ستكون له آثار واسعة النطاق. ليس من الضروري أن تتفق جميع الدول على أفضل السبل لدعم الانتقال، ولكن يجب على كل دولة أن تستغل زخم انتهاء العقوبات وأن تبدأ بتسهيل شحنات المساعدات ودعم مبادرات الانتقال.
إن عدم دعم الانتقال سيضيع فرصة لتخفيف معاناة الملايين وإعادة الأمل إلى سوريا.