تم حجب الأسماء والوثائق تماشيا مع قواعد العمل الصحفي ولعدم التسبب بحالات خارج القانون.
كانت جمهورية الأسد غابة مخابرات. نظامها لا يكتفي بالتجسس على الناس، بل يتجسس على عيونه وجواسيسه أيضاً. والقاعدة الذهبية: الكل مراقَب، والكل مطلوب منه أن يراقب.
في هذه الغابة الأمنية، لا يقتصر عمل الأجهزة على العناصر النظاميين، بل تعتمد على جيش من "المخبرين"، بعضهم معروف، وآخرون "مكتومون"، يعيشون بين الناس بوجوه طبيعية ووظائف ظاهرية، بينما ينفذون المهام الأمنية في الخفاء.
وزارة داخلية النظام، التي يُفترض أنها "في خدمة الشعب" بحسب شعارها، أثبتت بالأوراق الرسمية أنها في خدمة التجسس على الشعب. وثائق حصلت عليها "زمان الوصل" تكشف خفايا هذا العالم - وثائقه بيد الجهات المعنية الآن - ، وتسرد حكايات لثلاثة سوريين تم تجنيدهم كمخبرين مكتومين، بقرارات ممهورة بتواقيع كبار الضباط.
مخبر بدرجة استشاري
في 2 كانون الأول/ ديسمبر 2013، صدر كتاب رسمي من إدارة الشؤون الإدارية في وزارة الداخلية، يطلب تجديد التعاقد مع المهندس "ع.......ي"، استشاري في المسح الطبوغرافي، ليس كمهندس، بل كمخبر مكتوم. الوثيقة الموقعة من اللواء حميد أسعد المرعي تؤكد أن "ي" يعمل لدى قسم الدراسات "بصفة مخبر مكتوم"، وأن الحاجة له تندرج ضمن مشروع "السكن الوظيفي" في ضاحية الأسد بحرستا، المشروع الذي بني أساساً على أنقاض أراضٍ منهوبة من أهل الغوطة.
المخبر الذي رفض التقاعد
"ي....ن"، مساعد أول سابق ورئيس قلم فرع، أحيل إلى التقاعد في أيلول/ سبتمبر 2012، لكن وزارة الداخلية رأت أن "الاستفادة" منه لم تنتهِ. فاقترح رئيسه تعيينه مخبراً مكتوماً، مقابل راتب شهري يعادل 100 دولار حينها، وهو ما تم رفعه للوزير "محمد الشعار" للموافقة. وثيقة المرعي تقول بصراحة: "وجدنا حاجة ماسة إليه بسبب خبرته الجيدة ودقته"، وتطلب تعيينه مخبراً مكتوماً براتب 15 ألف ليرة سورية.
مخبر حتى بعد الموت!
في "دولة الاستثناءات"، لا ينتهي عقد الولاء مع النظام حتى بعد الإحالة على المعاش. "أ......د"، مساعد أول متقاعد، حصل على شقة سكنية في معضمية الشام، وهي واحدة من آلاف الشقق التي بنيت على أراضٍ تم الاستيلاء عليها تحت غطاء "الاستملاك"، لتُمنح لضباط النظام وعناصره. ورغم التقاعد، بقي يشغل الشقة بصفة "مخبر مكتوم"، بحسب ما جاء في وثيقة مؤرخة في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، تُبرز طلب عنصر آخر لشغل الشقة، لكن الوزارة رفضت، لأن "المخبر" ما زال في الخدمة.. غير الرسمية. الوثيقة تؤكد أيضاً أن "المخبر" لا يسكن الشقة فعلياً، بل نقل جزءاً من أثاثه إلى جرمانا، لكنه ما زال يتمتع بالامتيازات، في مخالفة صريحة لأنظمة السكن الوظيفي.
شبكة معقدة
الوثائق لم تقتصرعلى الأسماء الثلاثة، بل ضمت جدولاً يظهر اسم "دياب ......" كأحد المخبرين المكتومين، ويعمل ضمن قلم إدارة الذاتية في الوزارة، برقم تعريف 4....14.
ما كشفته الوثائق هو جزء صغير من جبل الجليد الذي يخفي شبكة واسعة من المخبرين السريين، يعيشون بين السوريين، يتقاضون رواتب من المال العام، ويكافَؤون بالسكن والمخصصات، مقابل مهمة واحدة: اختراق المجتمع ورفد أجهزة النظام بالمعلومات.
زمان الوصل