دمشق-سانا: "لسه عم يشتقلك الطريق يا باسل شحادة".. بهذه الكلمات أحيا أصدقاء وأهل ومحبو الشهيد باسل شحادة ذكرى استشهاده، وذلك لأول مرة علناً في بيت فارحي بدمشق القديمة.
عدسة الحرية: اسم المخرج السينمائي والمهندس باسل شحادة تردد صداه في جدران مدينته بدون خوف، بعد أن كان الشهيد شحادة قد انتفض منذ اللحظات الأولى للثورة السورية عام 2011، ليصبح أيقونة في ملحمة الثائرين ضد الاستبداد. اختار أن يترك الدراسة في جامعة أمريكية ويعود إلى بلده، قائلاً: (تخيل نحن كم مرة سنعيش ثورة في حياتنا، كيف لي أن أترك الحلم الذي بدأ يتحقق. وماذا سأقول لأطفالي عندما يسألونني، هل أجيبهم: عندما بدأت الثورة تركتُ وطني وذهبتُ لاهتم بمستقبلي.. أين هو هذا المستقبل من دون وطن حر؟).
الثورة والجسد والمكان: أصدقاء شحادة ومحبوه، من بينهم الصحفية زينة شهلا والناشطات وفا علي مصطفى وبشرى عدي بدمشق، والصحفية والمخرجة السينمائية لينا الحافظ، والصديقان باسل الطويل وزياد هلال وعبر الإنترنت، سردوا بنقاش مستفيض عن حياة باسل وأصدقائه الذين استشهدوا معه جراء قذيفة هاون في حي الصفصافة بحمص في 28 أيار سنة 2012، وهم: أحمد الأصم ومهند عرابي النجار وعماد قصاب، بينما كانوا في طريقهم لتوثيق مجزرة الحولة، وكان أكبرهم عمراً باسل، 28 عاماً.
تحدث أصدقاؤه عن حياته الجامعية الممتلئة بالحماس والاندفاع وحب الوطن والتعامل مع الإنسان بغض النظر عن انتمائه، فكان صديق الطريق للجميع، ومن طلائع المشاركين في تنظيم المظاهرات السلمية للتنديد بالقمع الذي رافق الثورات العربية. وأشاروا إلى اعتقال باسل في مظاهرة المثقفين بحي الميدان الدمشقي، لكنه خرج أكثر تصميماً على الانخراط مع الأحرار وتوثيق اعتداءات قوات النظام، وشارك في مظاهرات في عدة بلدات بدمشق، وكذلك في حماة وحمص، بعد أن أقنعه أصدقاؤه بالالتحاق بالمنحة الجامعية في الولايات المتحدة، لكنه سرعان ما تركها مفضلاً الثورة على مستقبله الدراسي.
كما أوضحوا أن جنازة باسل ودفنه في حمص كانت أيضاً بحد ذاتها مفصلاً في ثورة كفاحه، حيث اعتدت قوات النظام على أصدقائه ومحبيه ومنعتهم من التوجه للصلاة في الكنيسة أثناء تشييعه، وحاصرت منزله بدمشق، حتى أن الإجرام لاحق نعوته التي كانت بحد ذاتها بياناً سياسياً بالهلال والصليب، وألصقها أصدقاؤه سراً في الليل، إلى أن تمكنوا من إعادة الجثمان ودفنه بدمشق، حيث خطط الفنان منير الشعراني شاهدة قبره.
ولفتت وفا، التي عانت أيضاً من إجرام نظام الأسد بتغييب والدها قسراً من حي المهاجرين بدمشق، إلى أن حكاية باسل تعني ألم ووجع كل سوري، وشوق كل من ينتظر أحباءه المفقودين، معتبرة أن ذكرى باسل مناسبة لكل من قاوم النسيان والحزن وبقي لنحقق الحرية والعدالة والمساواة. وأشارت إلى آخر مرة كان فيها باسل بدمشق، وذلك خلال تشييع في كفرسوسة، حيث وضع الكاميرا على جثمان الشهيد، متخيلاً وكأن الشهيد يرى ما يحدث.
كما أعربت والدة صديقه الشهيد أحمد في رسالة للفعالية عن الفخر والاعتزاز بمن شكل أيضاً رمزاً للمجد والعلياء وجسراً حياً للحرية، فيما رسمت سيلين ابنة الشهيد مهند، التي كان عمرها عدة أشهر، برسالة مماثلة صورة والدها شجاعاً متحدياً.
ميلاد مجيد.. حمص وشوارعنا.. احتفال الحرية: خلال الفعالية، تم عرض فيلم "ميلاد مجيد: حمص"، والذي صور فيه الشهيد باسل تمازج أصوات أعياد الميلاد في حمص مع القذائف والتفجيرات، وفيلم "شوارعنا: احتفال الحرية"، والذي خاطر فيه الشهيد مع أصدقائه لإنجازه، لكن لم يكتمل بسبب عطل بجهازه الجوال، لكن أصدقاءه نجحوا بإكمال مسيرته المضيئة وأعادوا ما أنجزه، ورمموه، ليكون عملاً متكاملاً موثقاً المظاهرات في حمص ودرعا وحماة ودوما.
وعلى أنغام البيانو المرافق في أحداث الفيلم، عاد الحضور إلى أجواء تلك المظاهرات الضخمة التي كانت تنادي بإسقاط النظام وبالسلمية، وتصر على مطالبها، كما تم تصوير الشهود عبر أجسادهم وملابسهم خشية الملاحقة، وتوثيق إطلاق الرصاص، وتساقط القذائف، ومشاهد انشقاقات الضباط بالجيش، وتشكيل ألوية الجيش الحر، على وقع تكدس جثامين الشهداء أطفالاً ونساء.
لم يخف من دفع الثمن: المفاجأة في الفعالية كانت حضور الفنان وصفي المعصراني دون تنسيق مسبق، ليندفع نحو المنصة ويغني دون ميكرفون أغنية "ما كان عندو مشكلة.. ما خاف من دفع الثمن" وأغنية "موطني". كما اختتمت الفعالية بالأغنية التي كتبها باسل لأطفال الحروب في كل مكان.