في ظلّ المتغيّرات المتسارعة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ودول عربية عدة، عرض الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لأولويات السياسة الخارجية الإماراتية وخياراتها، لافتاً إلى خيارين أمام العرب: نموذج الخليج، والدول الأخرى.
وفي ندوة حوارية حاشدة أمس أدارها الإعلامي طاهر بركة في "قمة الإعلام العربي" التي عُقدت في دبي بين 26 أيار / مايو الجاري و28 منه، تحدث قرقاش بوضوح عن "سقوط الأيديولوجيا" مجدداً، لكن "من دون أن يعي العديد من العرب الدروس" من ذلك، قائلاً إن "زمن الأيديولوجيا الذي كرّس طائفية الدولة وتقزيمها انتهى".
"سقوط الأيديولوجيا"
وعلى رغم ما وصفه بـ"عدم يقين وعدم وضوح" تمرّ بهما المنطقة في هذه المرحلة، كان ثمة استنتاجات حاسمة بالنسبة إلى المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، قياساً بتجربة الدولة التي لا تتأخر في مواكبة المتغيّرات على مختلف الصعد. وقال: "من الدروس التي كانت واضحة جداً خلال السنتين الصعبتين من حرب غزة، (حدوث) سقوط مريع للأيديولوجيا، لنكن واضحين. للأسف أيضاً أن سقوط الأيديولوجيا في السياسة العربية تكرر. هذه ليست المرة الأولى نشهد سقوطاً لها لكن للأسف، لم يعِ العديد من العرب الدروس، لأن التشبّث بمصطلحات أيديولوجية معينة كان غير طبيعي ومخالفاً للواقع".
الندوة الحوارية مع الدكتور أنور قرقاش في قمة الإعلام العربي في دبي. الندوة الحوارية مع الدكتور أنور قرقاش في قمة الإعلام العربي في دبي.
ومن ذلك ينطلق قرقاش لوجوب أن تحدّد الدول العربية خياراتها، وفي مقدّمها "مصلحة الناس المعيشية"، وبهذا الشأن يتحدث عن "رسائل الخليج" ومنها "رسائل دبي": "أعتقد أن ثمة حاجة للنظر في مصلحة الناس وأحوالهم. وأتكلم من واقع دولة الإمارات، وازدهار البلد ومستوى المعيشة وتعميم الاستقرار الاقتصادي والأمني. ففي تقديري الكثير من هذه الأمور مهمة". ويضيف: "الأولويات يجب أن تكون واقعية، وفي تقديري أن الخليج يقدم العديد من الرسائل، ونحن في مدينة هي كلها رسائل، سواء في وجود الجاذبية لخلق الفرص أو النظرة إلى المستقبل. وفي إشارتي إلى دبي والإمارات ككل لا أستثني العديد من التجارب الناجحة في دول الخليج، وعلى رأسها ما نراه في المملكة العربية السعودية وغيرها".
"وهم الشعارات"
ويعزو قرقاش المآلات السيئة لبعض الدول العربية إلى "وهم الشعارات" الذي يرى ضرورة الخلاص منه. ويقول: "وهم الشعارات هو الذي أدى إلى الوضع الذي نراه في العديد من الدول العربية. ويجب في الحقيقة التخلص من وهم الشعارات هذا".
وثمة في الأمثلة القريبة دولتان "في عنق الزجاجة": سوريا ولبنان. وهنا ثمة "ضرورة لوجود دولة وطنية واضحة السيادة لا تديرها ميليشيات أو يوجد فيها جيشان متوازيان".
ويضيف: "إذا نظرنا اليوم إلى وضع متغيّر – وأنا أسمّيه عنق الزجاجة – وهو الوضع في لبنان وسوريا، في تقديري أن هناك قوى ترى بأن ثمة ضرورة لخروج البلدين من عنق الزجاجة، في مقابل قوى تشدّ التغيير للعودة إلى ما كان الأمر عليه. فلم نتخلص بعد من هذا. المسألة هي بناء مجتمع فيه تكافؤ وعدالة وفرص وأمان واستقرار".
الخيار الواقعي
وأيضاً في سياق الخيارات المتاحة يطرح قرقاش حتمية التعامل مع الخيار الواقعي للإفادة منه في بناء دول يمكنها التقدم ومواكبة التطور والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وبالنسبة إليه "ثمة خلل موجود، وهو خلل تصلّب أيديولوجي يجب أن يقابله نوع من التعامل مع الواقع. وهذا التعامل مع الواقع موجود وحاصل في الخليج. لا أقول إن تجارب الخليج مثالية لكن تجارب الخليج ناجحة. وللأسف إذا تنظر اليوم إلى العالم العربي ترى عالمين، لا ترى عالماً عربياً واحداً. لذا نقول إنه إذا انتعش لبنان مثلاً وانتعشت سوريا فهذا يعتبر إضافة إلى المنظومة الاقتصادية ككل، ودعواتنا وجهودنا هي لنجاح النخب الجديدة في هذه الدول التي تريد أن تغيّر هذا الواقع".
"التطبيع فزاعة"
لكنّ هذا التصوّر يواجَه من قبل قوى في المنطقة باتهامات للإمارات بأنها تطرحه لتبرير التطبيع مع إسرائيل. يردّ قرقاش على ذلك بأنه "تسطيح وتبسيط، وأحياناً موضوع التطبيع هو فزاعة، الهدف منها عدم مواجهة أن هناك واقعاً جديداً. موضوع التطبيع اليوم هو موضوع قرار وطني في كل بلد. نحن في دولة الإمارات رأينا في حساباتنا أن هذا القرار هو القرار الاستراتيجي الصحيح. هذا قرار سيادي (…). التطبيع في حالات كثيرة هو فزاعة تُستخدم كشعار سياسي لمنع التغيير في المجتمعات وفي الاقتصاد وخلق نموذج ناجح على ركام نموذج فاشل أثبت فشله".
ويتطرق الحديث إلى ملف حرب غزّة التي أطلقت تغيّرات جوهرية في المنطقة، وهنا يحبّذ قرقاش الردّ بـ"رقم" على المشككين في دور بلاده: "دولة الإمارات قدّمت 42 في المئة من المساعدات التي دخلت إلى غزة منذ 8 تشرين الأول / أكتوبر 2023، بالتالي ثمة دور مهم نقوم به".
ويشير قرقاش بوضوح إلى أن ثمة "محاولة للتمسك بماض فشل وتصوّر فشل. لا بدّ من أن نقلب الصفحة ونخرج من عنق الزجاجة، وأن نرى أن تحدياتنا المقبلة يجب أن تكون تحديات معيشية وتحسين ظروف الناس ومنع هجرة أفضل العقول من دولنا، وأن نوفر لها فرص عمل حقيقية".
ولا يفوته وهو يتحدث في أكبر تجمّع إعلامي عربي ودولي سنوي أن يتطرق إلى الحملات الإعلامية التي تتعرض لها الإمارات من حين إلى آخر، واصفاً إياها بـ"المصطنعة". ويقول: "أترك الحكم على تجربة الإمارات للآخرين لكن الأرقام تتحدث، حتى من ينتقد بعض الجوانب في الإمارات يقرّ بأننا تجربة عربية رائدة. في مسألة الانتقادات أعتقد أن الحملة الإعلامية التي نراها أحياناً ضدّ الإمارات مصطنعة إلى درجة كبيرة، إذ لا نراها في الصحافة الرصينة والإعلام الغربي حيث يمكن أن تكون هناك انتقادات موضوعية. هذا (مصدر الحملات) إعلام القاع. الكثير منه في السوشال ميديا وجزء كبير منه موجّه. وبالتالي كيف نتعامل معه؟ بأسلوبين: أولاً الترفّع، والآخر زيادة جرعة الإعلام الذي يقدّم رسائلنا الإيجابية".
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار