الخميس, 29 مايو 2025 12:53 AM

أمل جديد في ريف اللاذقية: مشروع لترميم المنازل يعيد المهجرين إلى قراهم

أمل جديد في ريف اللاذقية: مشروع لترميم المنازل يعيد المهجرين إلى قراهم

منذ سنوات، يعيش أحمد بكداش، المهجَّر من قرية مجدل كيخيا في جبل الأكراد، حالة من الانتظار الثقيل. “لم نعد إلى بيوتنا لأننا ببساطة لم نعد نملك بيوتًا”، يقول أحمد لمنصة “سوريا 24” بحسرة، موضحًا أن قريتهم التي كانت تنبض بالحياة تحولت إلى ركام. أسباب عدم العودة كثيرة، تبدأ من غياب المأوى، إذ إن منزله، كحال كثير من المنازل في المنطقة، مدمّر جزئيًا أو كليًا، ولا تنتهي عند غياب أبسط مقومات الحياة: لا ماء، لا كهرباء، لا مدارس، لا مستوصفات، ولا حتى طرقات آمنة بسبب احتمال وجود ذخائر غير منفجرة. كما أن الصرف الصحي مدمّر بالكامل، ما يجعل من الحياة هناك خطرًا يوميًا، خصوصًا مع كثرة الحشرات والزواحف السامة.

الأوضاع الحالية لأحمد وأسرته، كما مئات العائلات، لا تقل قسوة.

“نُقيم في مخيم مبني على أرض خاصة، وصاحب الأرض يطالبنا بإزالة الخيام”، يضيف أحمد. ويختصر احتياجاته بكلمة واحدة: “الكرامة”، قبل أن يعدد: مأوى آمن، خدمات طبية وتعليمية، مياه صالحة للشرب، شبكة صرف صحي، كهرباء، وإنترنت، وأهم من ذلك، دعم مادي لنستطيع التحرك أو العودة.

مشروع يعيد الحياة إلى الريف المنسي

استجابة لهذا الواقع، أطلقت منظمة “حفظ النعمة” مشروعًا لترميم 600 منزل في ريف اللاذقية، يركّز على مناطق جبل الأكراد، جبل صهيون، وجبل التركمان، وهي مناطق شهدت دمارًا هائلًا ونزوحًا جماعيًا شمل أكثر من 70% من السكان. ويهدف المشروع، بحسب مدير المنظمة سمير شريقي، إلى تحقيق ثلاثة أهداف مترابطة: إعادة التوطين من خلال دعم العودة الآمنة للنازحين، إعادة الإعمار عبر ترميم المنازل والبنى التحتية، وأخيرًا تحفيز التنمية الاقتصادية المحلية بخلق فرص عمل جديدة.

مراحل التنفيذ: من التخطيط إلى التسليم

يُنفّذ المشروع وفق جدول زمني محكم بدأ في 1 أيار/مايو 2025 ويُختتم في 31 كانون الثاني/يناير 2026. ويتضمن المشروع، كما يقول شريقي لمنصة “سوريا 24″، ثلاث مراحل رئيسية تُنفّذ بالتوازي: تبدأ المرحلة الأولى خلال أول 15 يومًا، وتشمل توظيف الكوادر وتوزيع المهام والحصول على الموافقات الرسمية؛ تليها مرحلة ثانية تمتد على 45 يومًا وتُخصّص لمسح المنازل ميدانيًا وتحديد احتياجات الترميم؛ أما المرحلة الثالثة، وهي الأضخم، فتمتد على 150 يومًا وتشمل عمليات الترميم الكامل للمنازل، مع التركيز على إصلاح الأجزاء الداخلية، وتركيب الأبواب والشبابيك، وتأهيل شبكات المياه والكهرباء.

وبحسب الشريقي، فإنه بالتزامن مع ذلك، ستُجرى أيضًا أعمال ترميم للبنية التحتية – بما في ذلك المدارس، المراكز الصحية، دور العبادة، الطرق، وشبكات مياه الشرب – وذلك خلال فترة تمتد على 120 يومًا.

معايير دقيقة لاختيار المستفيدين

لا يتم اختيار المنازل المستهدفة عشوائيًا، بل وفق معايير واضحة، يعدد المسؤول في منظمة “حفظ النعمة” أبرزها: أن يكون المتقدّم نازحًا أو عائدًا مسجّلًا رسميًا، وجود إثبات للملكية أو الحق القانوني بالإقامة، أن تكون الأضرار في المنزل قابلة للترميم دون الحاجة إلى إعادة بناء شاملة، وأولوية تُمنح للأسر الأشد ضعفًا كالأسر التي تعيلها نساء أو تضم مسنّين أو أشخاصًا من ذوي الإعاقة، إضافة إلى الأسر الكبيرة ومحدودة الدخل.

ويُشترط أيضًا، بحسب الشريقي، أن تكون المنازل ضمن المناطق المحددة جغرافيًا، وألّا تكون قد تلقت دعمًا سابقًا، مع تقديم تعهّد رسمي بالإقامة في المنزل بعد تأهيله.

تمويل كامل وآلية للشكاوى

يؤكد القائمون على المشروع أن الترميم يتم مجانًا بالكامل دون تحميل المستفيدين أي تكاليف، مع توفير قناة رسمية لتقديم الشكاوى في حال حدوث أي تجاوز أو طلب مالي.

عودة من المخيمات إلى القرى

رغم أن المشروع لا يشمل المخيمات بشكل مباشر، إلا أن 80% من المستفيدين هم من سكان هذه المخيمات، في محاولة جادة لإعادتهم إلى منازلهم الأصلية. يتم التنسيق مع إدارات المخيمات والمنظمات الداعمة لتسهيل عملية العودة، وضمان تنظيم الخدمات ومنع التكرار في المساعدات.

مشروع ترميم الـ600 منزل لا يهدف فقط إلى إعادة بناء الجدران، بل يسعى قبل كل شيء إلى ترميم الكرامة، وإحياء الأمل في قرى هجرتها الحياة. بالنسبة لأحمد بكداش، ولمن يشبهونه، هذه ليست مجرد مبادرة، بل بداية طريق العودة.

مشاركة المقال: