السبت, 14 يونيو 2025 11:16 PM

جفاف يهدد مهنة مربي الجواميس: نزوح مبكر من القامشلي إلى الرقة بحثًا عن الماء والمراعي

جفاف يهدد مهنة مربي الجواميس: نزوح مبكر من القامشلي إلى الرقة بحثًا عن الماء والمراعي

في مشهد يتكرر مع بداية كل صيف، يشد يوسف الشرابي، البالغ من العمر 30 عامًا، رحاله من ريف القامشلي متجهًا إلى مدينة الرقة على سرير نهر الفرات، مصطحبًا قطيع الجواميس الذي ورث تربيته عن والده وأجداده. غير أن رحلة هذا العام جاءت مبكرة على غير العادة، مدفوعة بجفاف شديد ضرب مناطقهم وأفقدها المراعي الطبيعية التي تعتمد عليها هذه الثروة الحيوانية.

يقول الشرابي في حديثه: “ننتقل عادة إلى ضفاف نهر الفرات في بداية شهر حزيران من كل عام بحثًا عن المراعي والمياه الوفيرة التي تحتاجها الجواميس، إلا أننا اضطررنا هذا العام للقدوم بشكل مبكر بسبب الجفاف الحاد الذي أصاب مناطق ريف القامشلي وأدى إلى ندرة المراعي بشكل غير مسبوق.”

الجواميس… حيوانات تعشق الماء وتقاوم الظروف القاسية

تُعدّ الجواميس من الحيوانات التي تعتمد بشكل كبير على وفرة المياه والمراعي الغنية بالنباتات المائية. ويشرح الشرابي خصائص تربية الجواميس بالقول: “الجواميس محبة للمياه بطبيعتها، فهي تجيد السباحة ورعي القصب داخل المجاري المائية الجارية، ولا تحتمل درجات الحرارة المرتفعة. لذلك نسعى لنقلها صيفًا إلى المناطق القريبة من الأنهار حيث المياه العذبة والمراعي الطبيعية المتوفرة.”

توفر المراعي النهرية طعامًا طبيعيًا للقطعان دون الحاجة إلى الأعلاف باهظة الثمن التي يعتمد عليها المربّون طوال فصل الشتاء في مناطق القامشلي، التي تفتقر إلى الأراضي الرعوية المناسبة.

الگيمر… منتج مطلوب رغم محدودية الإنتاج

من بين منتجات الجواميس التي تشتهر بها عائلة الشرابي يأتي “الگيمر”، وهو أحد أبرز المنتجات المحلية التي تحظى بإقبال كبير في مدينة الرقة. ويوضح الشرابي: “نواجه صعوبة في تلبية الطلب الكبير على القيمر الذي نصنعه من حليب الجواميس، إذ يتوافد سكان الرقة يوميًا إلى خيمتنا الواقعة على سرير النهر لحجز كميات منه. غالبًا لا يكفي إنتاجنا لتغطية كل الطلبات المتزايدة.”

يُشكّل حليب الجواميس مصدر الدخل الأساسي للعائلة، سواء من خلال بيعه مباشرة أو من خلال تحويله إلى منتجات مشتقة كالأجبان والقيمر، التي تُعد من المنتجات الغذائية التقليدية المطلوبة في المنطقة.

تراجع أعداد المربين يهدد مستقبل المهنة

رغم أهمية هذه المهنة اقتصاديًا واجتماعيًا، إلا أن العديد من مربي الجواميس اضطروا للتخلي عنها في السنوات الأخيرة، نتيجة الجفاف المتكرر وصعوبة تأمين المراعي، إضافة إلى المشقة الكبيرة التي يتكبّدها المربّون في نقل قطعانهم لمسافات طويلة سنويًا.

يضيف الشرابي موضحًا: “قبل الثورة السورية، كانت تربية الجواميس من المهن الرئيسة في ريف القامشلي، لكن مع انقطاع مياه بعض الأنهار وتراجع منسوب المياه بشكل عام، تراجعت أعداد المربين تدريجيًا. اليوم باتت المهنة مهددة بالاندثار إن لم يتم تدارك الوضع.”

مناشدة للدعم الحكومي لإنقاذ الثروة الحيوانية

يشير الشرابي إلى أن المربين يعتمدون شتاءً بشكل شبه كامل على الأعلاف المكلفة لتعويض غياب المراعي الطبيعية في ريف القامشلي، ما يضاعف أعباءهم المالية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. وتبقى رحلة الصيف إلى ضفاف نهر الفرات الفرصة الوحيدة لتوفير طعام طبيعي للقطعان دون كلفة إضافية.

وفي ختام حديثه، وجّه الشرابي نداءً إلى الجهات المعنية مطالبًا بدعم هذه الثروة المهددة، قائلًا: “نحتاج إلى توفير الأعلاف بأسعار مناسبة، وتأمين الرعاية البيطرية اللازمة للحفاظ على قطعان الجواميس، لأن استمرار تراجع أعداد المربين ينذر بانقراض هذه المهنة، التي تشكّل مصدر رزق أساسيًا لعشرات العائلات.”

مشاركة المقال: