بعد مرور نصف عام على بدء عودة الأهالي إلى مدينة كفرنبل الواقعة جنوب إدلب، لا تزال المدينة تعاني من آثار سنوات التهجير القسري والقصف الذي أفرغها من سكانها ودمر بنيتها التحتية. يواجه العائدون تحديات يومية في ظل ضعف شديد في الخدمات الأساسية واستمرار مظاهر الحرب في كل مكان.
يقول حمدو زعتور، أحد سكان المدينة العائدين، إن تأمين المياه يمثل التحدي الأكبر، حيث يضطر إلى شراء صهريج مياه بسعر يصل إلى 400 ليرة تركية لتلبية احتياجات أسرته اليومية. وأضاف أن غياب مصادر المياه العامة يزيد من الأعباء المعيشية على السكان.
الحقول المدمرة وفقدان سبل العيش
تتفاقم معاناة الأهالي بفقدانهم أراضيهم ومزارعهم، التي كانت مصدر رزقهم الأساسي، خاصة حقول التين والزيتون. تعرضت مساحات واسعة من هذه الأراضي للتدمير أو القطع الجائر خلال سنوات النزوح، مما اضطر العديد من السكان إلى بيعها لبناء منازلهم المدمرة. وأكد زعتور أن الكثيرين اضطروا لبيع أراضيهم لتوفير مأوى لهم بعد خسارة كل شيء.
واقع خدمي متدهور وشوارع مليئة بالركام
يصف الإعلامي سليم زهير رسلان، وهو من أبناء المدينة المقيمين فيها حاليًا، الوضع الخدمي المتدهور قائلاً: "الحياة هنا تفتقر إلى أبسط مقومات الخدمات. المدينة خالية من كل شيء: لا مياه، لا نظافة، لا ترحيل قمامة، لا إزالة للركام، والدمار لا يزال في الشوارع. المدينة بحاجة ماسة إلى مشاريع صرف صحي، وشبكة مياه شرب، ومرافق صحية ونقاط طبية، وكل شيء خدمي معدوم تقريبًا".
ويؤكد رسلان أن السكان يحاولون البقاء على قيد الحياة في ظل الإهمال وغياب الاستجابة من الجهات المعنية والمنظمات، مشيرًا إلى أن نسبة الدمار في المدينة تتراوح بين 60 و70%، مما يجعلها أشبه بمدينة منكوبة بالكامل. وأضاف أن المدارس والمراكز الصحية والطبية مدمرة أو غائبة تمامًا، وأن السوق الشعبي الذي كان قلب المدينة النابض بات شبه مهجور.
رغيف الخبز بلا جودة والكهرباء غائبة
يعاني سكان كفرنبل أيضًا من تردي جودة الخبز وانقطاع الكهرباء بشكل كامل، مما يزيد من صعوبة الحياة اليومية. وبالرغم من هذه الظروف، بدأت منظمة "بناء" مؤخرًا بتنفيذ مشروع لإزالة الركام والأنقاض من الشوارع الرئيسية في المدينة، ضمن خطة واسعة تشمل عدة قرى ومدن في المنطقة.
وأوضح صلاح زعتور من المجلس المحلي في المدينة أنهم يواجهون صعوبة كبيرة في تأمين مياه الشرب بسبب الغلاء، وطالب مشروع اللج بتفعيل الآبار الارتوازية وضمان توزيع المياه على الأهالي. كما أشار إلى مشكلة تراكم القمامة في الشوارع نتيجة غياب الآليات المخصصة لنقلها، مما يهدد بانتشار الأمراض.
عودة محفوفة بالتحديات
في ظل غياب شبكة المياه العامة، لجأ بعض الأهالي إلى حفر آبار مياه جوفية لتأمين بديل دائم. ورغم بدء بعض المحال التجارية الصغيرة بفتح أبوابها، إلا أن عددها لا يزال محدودًا ولا يلبي احتياجات السكان بالكامل. وما تزال عائلات كثيرة تنتظر انتهاء امتحانات الشهادتين لتقرر العودة، في حين يرفض قسم آخر العودة نهائيًا بسبب تدمير منازلهم وانعدام الخدمات.
أما من عادوا، فهم يحاولون التأقلم مع واقع صعب، يراهنون فيه على صبرهم وعلى دعم ربما يأتي من منظمات المجتمع المدني أو الجهات المعنية بإعادة الإعمار. ورغم مرارة العيش، يرى البعض في العودة خطوة أولى في طريق طويل نحو استعادة الحياة في كفرنبل.