أصدر الرئيس السوري، أحمد الشرع، مرسومًا تشريعيًا يقضي بزيادة الرواتب والأجور المقطوعة بنسبة 200% لجميع العاملين في الدولة. تهدف هذه الخطوة إلى تحسين الأوضاع المعيشية، لكنها تثير تساؤلات حول قدرة الاقتصاد السوري على استيعاب هذه الزيادة دون تفاقم التضخم.
تشمل الزيادة العاملين المدنيين والعسكريين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، وشركات ومنشآت القطاع العام، والوحدات الإدارية، وجهات القطاع المشترك التي لا تقل نسبة مساهمة الدولة فيها عن 50% من رأسمالها. كما يستفيد منها العاملون المؤقتون والمتعاقدون، بشرط ألا يتجاوز راتبهم التعاقدي راتب الموظف الدائم من نفس المؤهل.
حدد المرسوم الحد الأدنى العام للأجور والحد الأدنى لأجور المهن لعمال القطاع الخاص والتعاوني والمشترك بمبلغ 75,000 ليرة سورية شهريًا.
على الرغم من أن الزيادة تبدو كبيرة، إلا أن التضخم وتدهور قيمة الليرة السورية يقللان من تأثيرها. فبدون إجراءات لضبط الأسعار وزيادة الإنتاج المحلي، قد تتآكل القيمة الشرائية للزيادة بسرعة.
الجدير بالذكر أن الزيادة لا تشمل العاملين المشمولين بأحكام قانون العاملين الأساسي رقم “53” لعام 2021 الصادر عن “حكومة الإنقاذ السورية (سابقًا)”. ويعني هذا استثناء الموظفين الذين كانوا يتبعون الإدارة السابقة في مناطق مثل إدلب.
يعكس هذا الاستثناء رغبة الحكومة في توحيد الرواتب والأجور في سوريا. فقبل الزيادة، كان متوسط الرواتب في مناطق النظام 30 دولارًا، بينما كان في مناطق حكومة الإنقاذ 125 دولارًا. وبعد الزيادة، سيصبح راتب موظفي مناطق النظام السابق حوالي 90 دولارًا، مما يقلل الفجوة.
تجدر الإشارة إلى وجود عدد من العاملين الموقوفين عن العمل وأسماء وهمية تتقاضى رواتب، ولكن لا توجد أرقام دقيقة بشأنهم.
يخلق اختلاف سلم الرواتب بين المنطقتين نظامًا مزدوجًا، مما قد يؤدي إلى شعور بالظلم. ويتطلب توحيد هذا النظام وقتًا وتدرجًا لتجنب الصدمات الاقتصادية والاجتماعية.
منحت المادة المتعلقة بتمويل الزيادة وزير المالية صلاحية اتخاذ القرار. ومن المعلوم أن جزءًا من التمويل سيأتي من المنحة القطرية للحكومة السورية.
عند إعلان الحكومة السورية عن المنحة القطرية، وعدت بزيادة الرواتب بنسبة 400% على مراحل. ومع وجود 1.25 مليون عامل في القطاع العام يتقاضون 30 دولارًا وسطيًا، وبعد الزيادة سيصبح 90 دولارًا، فإن إجمالي فاتورة الرواتب ستصبح 112.5 مليون دولار شهريًا. وهذا يعني عجزًا إضافيًا قدره 75 مليون دولار شهريًا.
في ظل بقاء الناتج القومي الإجمالي على حاله وعدم تطوير وسائل الإنتاج، تواجه الحكومة خيارين لتغطية العجز: طباعة المزيد من العملة، أو الاعتماد على المنح والمساعدات الدولية.
طباعة المزيد من العملة قد يؤدي إلى تدهور قيمة الليرة وزيادة التضخم. بينما الاعتماد على المساعدات يتطلب التزامًا دوليًا مستمرًا.
تجارب دول مجاورة مثل لبنان والعراق والأردن تظهر دروسًا مهمة حول إدارة الرواتب والإصلاحات الاقتصادية.
كلف المرسوم وزير المالية بتعديل جداول الأجور وإصدار التعليمات التنفيذية اللازمة، على أن يبدأ العمل بالمرسوم في 1 تموز 2025. ويجب الإسراع في إصدار التعليمات التنفيذية لتجنب التأخير والتعقيدات البيروقراطية.
تهدف زيادة الرواتب إلى تخفيف المعاناة الاقتصادية، ولكن في غياب خطة اقتصادية شاملة، قد تؤدي إلى تفاقم التضخم وتدهور قيمة الليرة. ويعتمد نجاح هذا الإجراء على قدرة الحكومة على السيطرة على التضخم وتحفيز الاقتصاد الحقيقي، وهو تحد يتطلب رؤية استراتيجية ودعمًا دوليًا.