الأحد, 18 مايو 2025 07:43 PM

سوريا: جدل حول "هيئة العدالة الانتقالية" الجديدة.. هل تحقق مصالحة شاملة أم تخدم أجندات سياسية؟

سوريا: جدل حول "هيئة العدالة الانتقالية" الجديدة.. هل تحقق مصالحة شاملة أم تخدم أجندات سياسية؟

أثار إعلان الرئاسة السورية عن تشكيل "الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية" ردود فعل متباينة، حيث استقبله البعض بترحيب حذر، بينما عبر الكثير من السوريين عن خيبة أملهم، إذ كانوا يأملون في مسار عدالة يشمل جميع ضحايا الحرب، بدلاً من التركيز فقط على الانتهاكات التي ارتكبها "النظام السابق".

المرسوم الذي ينص على إنشاء هيئة مستقلة للكشف عن الحقيقة حول "الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد" ومحاسبة المسؤولين عنها، اعتبره الكثيرون إعلاناً عن عدالة انتقائية لا تعكس جوهر العدالة الانتقالية الحقيقية، التي يجب أن تشمل جميع الانتهاكات والضحايا والجناة من جميع الأطراف.

الناشط محمد الجاسم عبّر عن خيبة أمله عبر الفيسبوك قائلاً: "ما أُعلن عنه ليس عدالة، بل مسار أعور يرى جانباً واحداً فقط من المأساة السورية. العدالة الحقيقية لا تنتقي ولا تُبنى لخدمة طرف على حساب آخر". وتشاركه الرأي الحقوقية جمانة سيف، التي ترى أن العدالة التي لا تعترف بجميع الضحايا ولا تمنحهم حقهم في معرفة الحقيقة ولا تسعى لمحاسبة جميع الجناة، ليست عدالة بل خيانة لقيم الكرامة والإنصاف.

من جهته، يرى الباحث مالك الحافظ أن المسار الحالي لا يتوافق مع أسس العدالة الانتقالية، التي "تُبنى على ثلاثة أعمدة: الاعتراف والإنصاف والكرامة المتساوية لكل الضحايا. وأي تغييب لأحد هذه الأعمدة يحوّل العدالة إلى أداة إقصاء تعيد إنتاج التفاوتات وتُضعف فرص المصالحة".

المرسوم الذي عيّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيساً للهيئة ومنحه مهلة 30 يوماً لتشكيل فريق العمل، لم يتضمن أي إشارة إلى المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها باقي أطراف الحرب السورية، مما أثار تساؤلات حول استقلالية الهيئة وقدرتها على بناء سردية عدالة شاملة.

أليس مفرج، عضوة هيئة التفاوض السورية، أعربت عن تحفظاتها قائلة: "العدالة لا تكون انتقائية. إذا اقتصرنا على محاسبة طرف واحد، فإننا ننكر ألم الآخرين ونكرس الانقسام ونمنع التعافي. الكرامة لا تقتصر على طرف دون آخر". وأضافت أن نظام الأسد هو أصل الجريمة في سوريا، لكن الاعتراف بجميع الضحايا من جميع الأطراف هو مبدأ أساسي في العدالة الانتقالية.

محمد العبد الله، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، أعرب عن خشيته من تحويل ملف العدالة الانتقالية إلى أداة سياسية، مؤكداً أنه مسار إنساني يهدف إلى كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة وجبر ضرر الضحايا، وليس لتصفية حسابات أو حماية جهات على حساب أخرى. وأشار إلى أن المرسوم يركز فقط على انتهاكات "النظام البائد" متجاهلاً انتهاكات فصائل وأطراف أخرى، محذراً من أن ذلك يؤسس لـ "عدالة المنتصر" ويفرغ المسار من مضمونه.

وأضاف العبد الله: "لا أحد يملك الحق في سلب الضحايا وذويهم حقهم في معرفة الحقيقة والمحاسبة والتعويض، أياً كان الطرف المسؤول عن الانتهاك"، داعياً إلى إعادة النظر بتركيبة الهيئة وصلاحياتها قبل بدء عملها.

في بلد مزقته سنوات طويلة من العنف والانتهاكات، يرى سوريون أن العدالة الحقيقية لا يمكن أن تبدأ من تجاهل جزء من الحقيقة. فالعدالة الانتقالية ليست أداة قانونية فقط، بل مسار لبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على المصارحة والمحاسبة والمصالحة.

بينما يرى البعض أن تشكيل الهيئة قد يكون خطوة أولى في طريق طويل، يؤكد آخرون أن الطريقة التي بدأ بها هذا المسار قد تؤسس لفشل مبكر وتعيد إنتاج الانقسام بدلاً من معالجته.

مشاركة المقال: