الأربعاء, 30 أبريل 2025 11:36 AM

سوريا بعد الأسد: كيف تحولت التحديات إلى فرص لبناء دولة جديدة؟

سوريا بعد الأسد: كيف تحولت التحديات إلى فرص لبناء دولة جديدة؟

بقلم الدكتور باسل أورفه لي – محلل سياسي

كان بقاء نظام الأسد في سوريا ونجاته من السقوط يُعطي يقيناً بأنّ الموجة الأولى من ثورات الربيع العربي قد فَشِلت ( أو أُفشلت) جميعها بعد نجاح الثورات المُضادّة في مصر وتونس، وتَحوّل الثورات في ليبيا واليمن إلى حروب أهلية بأبعاد إقليمية ودولية. حتى الهزّات الإرتدادية للموجات الثورية الأولى التي شهدتها الجزائر والسودان، تَمّ احتواءها بعد تغيير رأس النظام مع بقاء المنظومة الحاكمة. ولم تنجح الإنتفاضات الشعبية في لبنان والعراق عام 2019، نظراً لِعدّة عوامل، منها هيمنة منظومة الحرس الثوري الإيراني عليهما.

و في ظلّ هذا المشهد، اعتقد الأسد وأنصاره أنهم إنتصروا عملياً، وما تبقى هو إعلان ذلك رسمياً قد يكون الجميع تفاجأ بسقوط النظام، باستثناء الحاضنة الثورية وثوارها الأبطال، الذين ظلّوا واثقين من النصر بعد صمودهم الأسطوري في مواجهة محور كامل، ولم يكن الوصول إلى دمشق هو الحدث المفاجئ، بل سرعة الوصول إليها ومدى الضعف الذي كان يعتري العدو، إذ لم تكن التقديرات تُشير إلى أنّ التآكل و التعفن بلغ تلك المرحلة التي لم يَعُد فيها قادراً على الدفاع عن نفسه، رغم تفوقه العددي والتسليحي.

ورغم هول المفاجأة، لم تَنجرّ إدارة العمليات العسكرية إلى الفوضى أو الإفراط في نشوة النصر، بل أدركت أنها باتت مسؤولة عن وطن وشعب، لا عن ثورة وحاضنتها فحسب. ومن هنا،إتخذت سلسلة خطوات للحفاظ على الإنجاز الثوري، وكان الأهم الحفاظ على الوطن السوري من التفتت والضياع.

1- مؤتمر النصر

بسبب سرعة إنهيار النظام، كانت الأولوية لإستمرار عمل المؤسسات وعدم السماح بإنهيارها، كما حدث مع مؤسسات الجيش والمخابرات والشرطة، التي تَبخّرت وحلّت نفسها بنفسها…. إنتقلت “حكومة الإنقاذ في إدلب لتصبح حكومة تصريف الأعمال في سوريا كلها، بعد توسيعها لتشمل وزارات سيادية وجديدة. وقد تمكّنت من ملء الفراغ الحكومي بأقلّ عدد ممكن من الأخطاء، وكان الأهمّ أنّ مؤسسات الدولة إستمرت في عملها، وتسلّم الموظفون رواتبهم في نفس شهر سقوط نظام عمره ستة عقود.

كان لا بد من ملء فراغ السلطة الذي نتج عن سقوط النظام، إذ لم يبقَ لأي مشاركة مع قوى النظام البائد المهزوم أيّ معنى. وبالتالي، تمّ تجاوز القرار الدولي 2254، الذي رسم خارطة طريق نظرية للمرحلة الإنتقالية. ولأنّ السلطة لا تقبل الفراغ، تداعت القوى العسكرية الثورية المُنتصرة إلى مؤتمر يُكرّس الشرعية الثورية لقيادة البلاد، وقد إتخذ المؤتمر عدّة قرارات مهمة، أبرزها تكليف السيد أحمد الشرع بمهام رئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية.

2- مؤتمر الحوار الوطني

بدأت الضغوط الخارجية والداخلية تتزايد على القيادة الجديدة، خاصةً بعد مؤتمر النصر للمطالبة بإشراك كل المكونات السورية في إدارة المرحلة الإنتقالية. وكانت كثير من تلك الضغوط دعوات “حق يُراد بها باطل”، إذ لم يَرُق إنتصار الثورة السورية بحاملها المجتمعي العربي السني للكثيرين.. و تحت تلك الدعوات، التي كانت في معظمها صريحة، طُرحت فكرة إنشاء دولة محاصصة طائفية وعرقية على غرار النموذجين العراقي واللبناني.

لكن القيادة الجديدة رفضت بشكل قاطع كل أشكال المحاصصة، وأعلنت تمسّكها بالإطار الوطني السوري الجامع، وتغليب مبدأ الكفاءة على الهُوية الفرعية. ولتجنّب إتهامات الإستئثار أو الإقصاء أو المماطلة، سارعت القيادة إلى عقد مؤتمر للحوار الوطني، ودعت إليه 533 شخصية وطنية من مختلف المكونات واإاتجاهات السورية، للمشاركة في صياغة التوصيات للرئيس بشأن شكل وهوية وبنية الدولة السورية الجديدة. ونظرًا لغياب قوى وتيارات سياسية تُمثّل الشارع السوري تمثيلاً حقيقياً، تمّت الدعوة على أساس الفرد، باعتباره ممثلاً لطيف من بيئته. وقد أضفى هذا العدد الكبير من الشخصيات المدنية بُعداً مدنياً على المرحلة الإنتقالية، وأضفى على الشرعية الثورية للمؤتمر السابق شرعية مدنية، و رسم الخطوط العامة للمرحلة الإنتقالية.

3- الإعلان الدستوري

كان الفراغ الدستوري واضحاً، ولا بد لأجهزة الدولة وسلطاتها من أرضية قانونية تَستمدّ منها شرعيتها، خاصةً بعد إلغاء دستور نظام الأسد الصادر عام 2012 خلال مؤتمر النصر. ولتفادي الفراغ الدستوري في المرحلة الإنتقالية، شُكّلت لجنة من قِبل رئيس الجمهورية، فأصدرت دستوراً مؤقتاً كرّس في مواده نظاماً رئاسياً مركزياً إنتقالياً.

وقد أثار هذا النظام إنقساماً فبينما رأى فيه البعض تكريساً للسلطة في يد الرئيس، اعتبره آخرون مُلائماً لسوريا الحالية، التي تعاني من تمزّق في النسيج الإجتماعي، ووجود قوى أمر واقع مسلحة ومدعومة خارجياً وتُسيطر على أرض وسكان، وفوضى السلاح، ما يجعل من الضروري احتكار الدولة للسلاح وتجريم أيّ سلاح خارجها. وبعد إستكمال متطلبات المرحلة الإنتقالية، وأثناء صياغة الدستور الدائم، يمكن للشعب أن يختار طريقة الحكم المناسبة له.

4- تشكيل الحكومة الانتقالية

على مبدأ التشاركية لا المحاصصة، وعلى مبدأ الكفاءة لا الإنتماء الأهلي، تم تشكيل الحكومة الإنتقالية. واحتفظ الرئيس بمجموعة صلبة في الوزارات السيادية، نظرًا لما يراها من كفاءة وانسجام فيما بينهم جميعاً. و وُلِدت أول وزارة سورية حقيقية منذ عقود، تضمّ تقريباً جميع المكونات السورية، بما فيهم وزراء سبق أن شغلوا مناصب في نظام الأسد البائد.

وقد لاقى تشكيل هذه الحكومة ترحيباً واسعاً داخلياً وخارجياً، بينما رآها بعض الداخل إستمراراً لنهج الإقصاء والتهميش… ورغم محاولات العرقلة من الداخل والخارج، تمضي عجلة المرحلة الإنتقالية قُدماً إلى الأمام بدعم كثيرين يُدركون حجم التركة الثقيلة التي ورثتها من نظام الأسد، وحجم العقوبات الدولية المفروضة… إنّ دعم المرحلة الإنتقالية اليوم هو واجب وطني، مع ضرورة ممارسة المعارضة البنّاءة والمسؤولة، التي تَهدف إلى الإصلاح لا العرقلة، لأنّ فشل المرحلة الإنتقالية لا يعني فشل حزب أو جماعة أو طائفة، بل يعني ضياع سوريا نفسها والدخول في متاهات المجهول.

مشاركة المقال: