الأحد, 18 مايو 2025 04:50 PM

دير الزور: كنائس مدمرة وهجرة مسيحية مستمرة.. هل يعود المسيحيون إلى المدينة؟

دير الزور: كنائس مدمرة وهجرة مسيحية مستمرة.. هل يعود المسيحيون إلى المدينة؟

حسام شاهين – دير الزور

لا يزال "الجدعان" يفتقد جيرانه المسيحيين بمدينة دير الزور رغم سنوات مضت على هجرة أغلبهم وانتقالهم للعيش في مناطق أخرى، بعد أن تحولت المدينة لساحة صراع وتبدل جهات السيطرة عليها.

وخلال السنوات الماضية تعرضت كنائس مدينة دير الزور شرقي سوريا لدمار شبه كامل طالها بسبب قصف قوات النظام السوري السابق للأحياء التي خرجت عن سيطرته، بينما فجر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" الكنائس التي لم يطلها قصف النظام، مما دفع السكان المسيحيين إلى هجر المدينة نحو مناطق سورية أخرى أو إلى خارج البلاد، بحسب "الجدعان".

مدينة مهجورة من المسيحيين

يقول محمد الجدعان (60 عامًا)، من سكان مدينة دير الزور القدامى، لنورث برس، إن "المدينة أصبحت مهجورة من المسيحيين وتفتقد بحزن أهلها، إذ كانوا ذات يوم يعيشون سوية مع جيرانهم المسلمين يشاركونهم أفراحهم كما في الأحزان، جمعتهم أخوة الوطن ولم يفرقهم اختلاف الدين".

ويضيف أن "عوائل مسيحية وكردية كانت موجودة في مدينة دير الزور قبل الدخول الفرنسي إلى سوريا قبل أكثر من مئة عام وكنا نعيش كأخوة".

ويشير إلى أن المدينة حملت اسم "الدير" كناية عن مكان العبادة الخاص بالمسيحيين، مضيفاً: "وعليه فإنهم من المكونات الأصيلة في المنطقة، ووجودهم يرتبط بتاريخها العريق وليس حدثًا طارئًا".

ويستذكر "الجدعان" أنه كيف كان المسلمون والمسيحيون في حي الرشدية يتبعون عادة تبادل الأطفال الرضع لإرضاعهم من قبل الأمهات المسيحيات والمسلمات على حد سواء في دليل على عمق الروابط بين الجانبين.

وتضم مدينة دير الزور خمسة كنائس وهي: كنيسة شهداء الأرمن (للأرمن الأرثوذكس)، وكنيسة مريم العذراء (للسريان الأرثوذكس)، وكنيسة الأرمن الكاثوليك بالإضافة إلى كنيسة يسوع الملك للآباء الكبوشيين، وكنيسة السريان الكاثوليك، وجميعها تتوسط أحياء المدينة في حيي القصور والرشدية، وفق "الجدعان".

ويضيف: "كانت كنيسة شهداء الأرمن تعتبر بمثابة وجهة حج، وتحتوي رفات العديد من ضحايا مجزرة الأرمن التي ارتكبتها الدولة العثمانية، حيث بُني داخل الكنيسة عامود يخترق منتصف الكنيسة وهو عامود الانبعاث الذي يضم تحته رفات بعض ضحايا الأرمن".

"الخطر لازال قائماً"

يقول أحد سكان مدينة دير الزور من المسيحيين، فضل عدم ذكر اسمه، إن معظم المسيحيين في المدينة يتبعون لطائفة السريان الأرثوذكس ومن ثم طائفة الكلدان يليهم الأرمن الأرثوذكس والكاثوليك، وأعداد قليلة من طائفتي الروم والسريان الكاثوليك.

المسيحي الذي التقت به نورث برس ورفض الظهور أمام الكاميرا، يرى أن الخطر لا زال قائمًا رغم زوال تنظيم "داعش" وسقوط نظام الأسد، إلا أن الأمن لم يستتب بعد على حد قوله.

ويشير المسيحي إلى أن عودة المسيحيين إلى المدينة واقعة لا محالة ولكن يبقى ذلك مقرونًا بتحسن الوضع الأمني، مضيفاً أن وجود المسيحيين في المنطقة قديم جدًا ومن المستحيل حصره بتاريخ محدد، إلا أن أقدم العوائل المسيحية التي سكنت المدينة بعد تشكلها إداريًا بشكلها  المعروف حاليًا، هي آل فيلو وبغدي صار وتوماس وحنتي وملوح.

وسكن المسيحيون في أحياء مدينة دير الزور حسب قرب الكنائس التي يتبعون لها، وتجاوز عدد العوائل المسيحية في المدينة الـ500 عائلة، وكانوا يعملون في صياغة الذهب وصيانة الساعات والأدوات الكهربائية والمركبات.

فيما يُقدر عدد مسيحيي دير الزور قبل بدء النزاع في العام 2011 بأكثر من ثلاثة آلاف، بحسب وكالة "رويترز".

وكان حي الرشدية، الواقع على الضفة الغربية لنهر الفرات، ويعد من أقدم أحياء المدينة، من الأحياء الأكثر تأثراً، حيث كان يقطنه غالبية من الطائفة المسيحية، وكان يحتوي على خمس كنائس تمثل مختلف المكونات المسيحية في دير الزور.

المسيحيون في حقبة "داعش"

على الرغم من أن آلة الحرب والدمار طالت جميع سكان المدينة، فإن العائلات المسيحية كانت من أكثر الفئات تضرراً، إذ أحدث التنظيم دماراً واسعاً في الكنائس، وتعرضت لتفجيرات كان أكبرها التي طالت كنيستي مريم العذراء وشهداء الأرمن عام  2014، والذي تبناه التنظيم.

ولا تزال مشاهد الدمار كبيرة على كنيسة شهداء الأرمن في حي الرشدية بمدينة دير الزور التي بنيت عام 1989.

وقبيل تفجير الكنائس سرق عناصر تنظيم "داعش" محتوياتها من تماثيل ولوحات وأحرقوا الكتب السماوية فيها والصور ثم فخخوها وفجروها، بحسب سكان محليين.

وطال الأذى المسيحيين بسبب تعدد جهات السيطرة على المدينة إذا بدأ الأذى مع قصف قوات النظام السوري السابق للأحياء التي كانت تحوي كنائس وخرج عن سيطرته وخضعت لسيطرة المعارضة، كما أدت ممارسات تنظيم "داعش" بعد سيطرته على المدينة مثل فرض "الجزية" وتقييد حرية العبادة وتفجير الكنائس إلى دفع المسيحيين لمغادرة مدينة دير الزور نحو المدن السورية الأخرى مثل الحسكة شمالي شرقي سوريا، والعاصمة دمشق ومحافظتي حمص وحماة وسط البلاد.

و بعد انقطاع لسنوات طويلة نتيجة المعارك وتواجد تنظيم "داعش"، أُقيم أوّل قداس بمدينة دير الزور في شهر شباط/ فبراير عام 2018 في كنيسة السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس، حضره البطريرك مار أغناطيوس أفرام الثاني، الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية.

وسيطرت قوات النظام السابق في بداية تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2017، بدعم روسي على كامل مدينة دير الزور بعدما طرد تنظيم "داعش" من الأحياء الشرقية التي كان يسيطر عليها منذ العام 2014.

وهذا القداس كان الأول في المدينة منذ صيف 2012، العام الذي سيطرت فيه فصائل معارضة واسلامية على أجزاء واسعة من المحافظة ومدينتها دير الزور، قبل أن يتصاعد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية ويستولي عليها.

ووسط كل ذلك، لا يزال الوضع في دير الزور صعباً، وخاصة بالنسبة للعائلات المسيحية، مع بقاء معظم الكنائس مدمرة وغياب أي جهود ملموسة لإعادة تأهيلها أو العودة الطوعية لتلك العائلات.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: