الإثنين, 12 مايو 2025 09:29 PM

حارسات البذور والمحاصيل: كيف تحافظ الفلاحات السوريات على صحة النبات وتراث الزراعة الريفية؟

حارسات البذور والمحاصيل: كيف تحافظ الفلاحات السوريات على صحة النبات وتراث الزراعة الريفية؟

"لا تشيليها من الجذر، خليه بالأرض لتطلع وتعطينا السنة الجاية"، بهذه العبارة كانت الخالة "أم أكرم" توجهني خلال رحلاتنا الدورية إلى الطبيعة في ريف حماة في تسعينيات القرن الماضي، بحثاً عن الزعتر البري والزوفا وغيرها من النباتات الصالحة للاستهلاك البشري.

لم تكن الخالة قد سمعت بمصطلح الاستدامة حينها، ولا أعتقد أنها سمعت به اليوم، لكنها كأي فلاحة تدرك كيف تحافظ على النباتات لضمان العودة إليها والاستفادة منها مجدداً. في اليوم الدولي لصحة النبات، لا يمكن تجاهل فعل "أم أكرم"، ولا تجارب الفلاحات السوريات، فعلى امتداد الحقول من الجزيرة السورية إلى إدلب والساحل وحمص ودرعا وريف دمشق، تلعب الفلاحات دوراً حيوياً، كحارسات للبذور والمحاصيل وناقلات للمعرفة الزراعية عبر الأجيال.

جنباً إلى جنب مع الرجل

تتشارك المرأة مع الرجل في كافة الأعمال الزراعية، حتى القاسية منها. أتذكر أن جدتي لأبي، كانت تقود المحراث القديم، يتقدمها حماران لحراثة الأرض، حين ينال التعب من جسد جدي المريض. وبالعموم تتولى النساء عادة الأعمال التي تتطلب الاهتمام بالمزروعات، مثل سقايتها بشكل دوري، ونزع الأعشاب الضارة، إضافة إلى تسميد الأرض. حتى أنه في كثير من العائلات فإن النساء وحدهن من يزرعن الأرض ويحصدن المحاصيل.

جمع نباتات الطبيعة والزراعة المنزلية

مع ساعات الصباح الأولى من فصل الربيع وبعد موسم الشتاء والمطر من كل عام تنطلق "درة الطه" أربعينية من نساء مدينة "القامشلي" للحقول تجني ما تيسر لها من خيرات الطبيعة التي تنمو بشكل طبيعي في هذا الشهر وخاصة الخبيزة. "الطه" وغيرها نساء كثيرات يقمن بنفس العمل خاصة الأسر ذات المستوى المادي المتوسط حيث تقول: «تظهر نباتات عديدة في البرية صالحة للأكل في كل الساحات وعلى أطراف المدينة نقوم بتسليقها ونطهوها كالخبيزة»، في حين تحمل "حليمة السعيد" أرملة وأم لخمسة أطفال ما تجنيه من الخبيزة وتبيعه في السوق حتى تتمكن من تأمين لقمة عيش كريمة لهم حيث تبيع يومياً لتاجر في السوق كمية تكفي حسب قولها حاجة الأسرة من الخبز والخضار.

في ريف محافظة طرطوس الساحلية، تقدم النساء نموذجاً ملهماً في الزراعة النظيفة، فالمزارعات هناك يفخرن بأن منتجات قريتهن تحظى "بسمعة طيبة لكونها خالية من المواد الكيميائية وتُسقى بمياه نظيفة"، حيث يعتمدن على الزراعة العضوية التي تجنّب المحاصيل أخطار المبيدات وتحافظ على صحة التربة والبيئة.

تجتمع سيدات في إحدى قرى طرطوس ليحولن فائض حديقة كل منهن إلى منتجات مؤونة منزلية يُسَوِّقْنَها محلياً، ويستخدمن وصفات تقليدية تعلّمنها من أمهاتهن في صنع المربيات والمخللات ودبس الفليفلة من خضار مزروع بأيديهن. هذه المنتجات البيتية الصنع ليست لذيذة فقط، بل هي أيضاً ثمرة ممارسات زراعية مستدامة تحمي صحة النبات؛ فالمحاصيل تُزرع من دون مواد كيميائية ضارة وتُحصد في موسمها وتُحفظ بطرق طبيعية.

تقول إحدى هؤلاء المزارعات: "تعلمنا من الأجداد طرق الإنتاج وحفظ الطعام من دون كهرباء أو وقود حديث"، حيث يعدن إحياء تقنيات الجدات في والتمليح واستخدام الحطب للطبخ عند الحاجة.

إن الحرص على الاستفادة الكاملة من المحصول دون هدر هو سمة بارزة في ممارسات المرأة الريفية، التي تحتفظ حتى بقشور بعض النباتات كالرمان مثلاً لاستخدامها بالزهورات.

التحديات التي تواجه النساء في القطاع الزراعي

رغم الدور المحوري الذي تلعبه المرأة الريفية في صحة الزراعة، فإنها تواجه تحديات كثيرة تعيق جهودها، واليوم يعتبر شح المياه والوضع الأمني أبرزها.

على سبيل المثال "ملكة" 52 عاماً مزارعة لم تستطع زراعة النباتات التي اعتادت زراعتها، مثل الملوخية واللوبيا والخيار والباذنجان والفليفلة، نتيجة شح المياه، فالأمطار لم تهطل والسد الذي يتواجد في قريتها شبه فارغ.

تقول "ملكة" إن غياب المياه حرمها من زراعة أي صنف، وهذا يعني تكبد مصاريف إضافية لشراء احتياجات المنزل من النباتات والخضروات هذا العام.

من بين التحديات الأخرى، الظروف الأمنية، والألغام كذلك الأجور الزهيدة بالنسبة للعاملات بالزراعة، الذين لا يتقاضين أكثر من 50 ألف ليرة عن يوم العمل بالمتوسط.

وفي اليوم العالمي لصحة النبات، يجدر تسليط الضوء على قصص الكفاح هذه، تقديراً لدور المرأة الريفية في حماية المحاصيل وضمان الأمن الغذائي لمجتمعها، فهي حين تحمي نباتاً أخضر إنما تحمي به روح وطن بأكمله.

مشاركة المقال: