الأربعاء, 30 أبريل 2025 11:28 AM

اتفاق دمشق وقسد: هل ينجح في تجاوز الانقسامات والتحديات الجيوسياسية؟ نظرة معمقة على العقبات وآفاق التنفيذ

اتفاق دمشق وقسد: هل ينجح في تجاوز الانقسامات والتحديات الجيوسياسية؟ نظرة معمقة على العقبات وآفاق التنفيذ

يواجه الاتفاق بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تحديات كبيرة، نابعة من عوامل داخلية وخارجية، تهدد استقراره في ظل التغيرات الجيوسياسية المتسارعة.

الاتفاق الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، في العاشر من آذار/ مارس، سعى لتبديد مخاوف اندلاع مواجهات عسكرية واسعة النطاق، واستبعاد سيناريو تقسيم البلاد. لكن الاتفاق لا يزال هشاً ويحتاج إلى خطوات عملية لترسيخه.

يهدف الاتفاق إلى دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية، ومطار القامشلي، وحقول النفط والغاز. كما يضمن حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية، بمن فيهم الكرد، مع رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية.

إلى أين وصل الاتفاق؟

بعد مرور أسابيع على توقيع الاتفاق، لا يزال التقدم في تنفيذ بنوده محدوداً. تشير بعض القرارات والإجراءات الصادرة عن “قسد” والإدارة الذاتية إلى استمرار تعامل شمال شرق سوريا بشكل مستقل عن دمشق.

فقد نفى قيادي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تسليم آبار النفط للحكومة السورية، مؤكداً أن العمل جار على تشكيل لجان للتفاوض مع دمشق. كما أصدرت الإدارة الذاتية قراراً يقضي بإلغاء التعليمات السابقة المتعلقة بتصدير المحاصيل الزراعية، مع فرض موافقات رسمية على تصدير بعض المحاصيل الاستراتيجية.

وعلى الصعيد العسكري، تواصل “قسد” عمليات حفر الأنفاق العسكرية في مناطق نفوذها، وبناء مقرات ومستودعات ذخيرة تحت الأرض، مما يشير إلى استمرارها في التصرف بمعزل عن وزارة الدفاع السورية.

تتزامن هذه العمليات مع مواجهات عسكرية محدودة بين قوات “قسد” وفصائل الجيش الوطني السوري سابقاً، على الرغم من أن الطرفين يفترض أنهما أصبحا جزءاً من الجيش السوري الجديد.

في المقابل، اكتفت حكومة دمشق بالصمت وعدم التعليق على التطورات العسكرية في شمال سوريا.

أوضح محمود حبيب، الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي التابع لـ”قسد”، أنه جرى مناقشة بنود الاتفاق في لقاءات بين دمشق والحسكة، وأنه سيتم تشكيل لجان لبدء مهامها مطلع نيسان المقبل لدراسة الملفات وإيجاد صيغ عمل لاحقاً. وأشار إلى أن أول لجنة تشكلت هي لجنة تابعة لوزارة النفط، التي قامت بزيارة إلى الحقول والمنشآت النفطية.

أما بالنسبة للمؤسسات الحكومية في شمال شرق سوريا، فإنها تعمل تحت مظلة الإدارة الذاتية حتى الآن، بما في ذلك رواتب الموظفين، التي لم تتم تسويتها بعد.

وكان مظلوم عبدي قد اجتمع مع اللجنة التي شكلها الرئيس الشرع لاستكمال الاتفاق، وناقش الطرفان آلية عمل اللجان التي سوف تبدأ العمل بشكل مشترك الشهر المقبل.

هل ينجح الاتفاق؟

تظهر التصريحات السياسية المعلنة لمجلس سوريا الديمقراطي (مسد)، وتصريحات الرئيسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية إلهام أحمد، موقفاً مغايراً لموقف مظلوم عبدي قائد قوات “قسد”. إذ يصر “مسد” على “اللامركزية” باعتبارها عقدة الخلاف بين دمشق والحسكة، التي تطالب بها “قسد” وترفضها العاصمة.

تبرز الاتهامات الموجهة لـ”قسد” بتبعيتها لحزب العمال الكردستاني (التركي)، الذي يتولى عدد من قياداته مناصب رفيعة في الإدارة الذاتية.

يرتبط نجاح الاتفاق بتحقق شروط ذاتية وأخرى موضوعية تتعلق بالفاعلين الدوليين في الملف السوري، بحسب المحلل السياسي والاستراتيجي، العميد المنشق مصطفى الفرحات، الذي يرى أن “قيادة دمشق تمتلك الشرط الذاتي بينما قسد، التي يغلب القرار الأمريكي عليها، لا تمتلكه”.

يبدو أن “الحليف التركي غير مطمئن للاتفاق، ويخشى من عناصر قنديل في قسد، الذين سوف يسعون إلى انهيار الاتفاق، كما أنهم يرفضون تسليم السلاح، ويدفعون لإنشاء دولة أو كانتون منفصل”، بحسب فرحات. أما الفاعل الأميركي “يعتبر شرق الفرات محمية أميركية”.

ورغم التجاذبات والظروف التي تحيط بتنفيذ الاتفاق، أبدى الفرحات تفاؤله في نجاحه بنهاية المطاف، إلا إذا “تراجع ترامب عما عزم عليه، كما حدث سابقاً”.

وذهب الصحفي الأحمد إلى أن نجاح الاتفاق “يعتمد على رغبة تركيا والولايات المتحدة من جهة، وأن يمتلك مظلوم عبدي القدرة والقوة لتنفيذ الاتفاق بعيداً عن التيارات التي تحاول تخريب الاتفاق”.

ووصف مسؤول في إحدى منظمات المجتمع المدني شرق سوريا الاتفاق بأنه “هش”، ناهيك عن كونه “دولي أكثر من كونه سوري، ومرتبطٌ برغبة القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بإنجاحه وإلزام الفاعلين المحليين”.

“الهجمات المستمرة من قبل تركيا وفصائل الجيش الوطني على امتداد محاور التماس، تهدد أمن وسلامة شرق الفرات، وهي التي تعرقل سير الاتفاق” بحسب حبيب، لذا “يجب وقف التدخل الخارجي في تحديد ورسم سياسات حكومة دمشق وإبعاد المحاور الإقليمية عن الشأن السوري، حتى يُتاح للسوريين التوصّل بشكل أسرع للتفاهمات اللازمة للنهوض”، وفقاً له.

ونفى حبيب أي تراجع بشأن الاتفاق، مؤكداً أن العمل عليه “مستمر بخطى ثابتة، ولا يوجد أي مخاوف من توقفه أو عرقلته”، وشدد على أن “المؤسسات الرسمية من قسد والإدارة الذاتية ومسد متفقة على الحوار مع دمشق رسمياً”.

اتفاق لا يمثل الجميع؟

ميدنياً، لم يلاحظ أي تغير واضح بعد توقيع الاتفاق بين الإدارة الجديدة وقسد.

وقال سالم الحمد (اسم مستعار)، أحد أبناء مدينة الرقة، أن “أهالي الرقة ينظرون إلى الاتفاق على أنه اتفاق عسكري بين جهتين، وتم بتهميش الرقة ودون النظر لرأي وموقف سكانها، الذين في غالبيتهم يؤيدون الثورة السورية، ودفعوا ثمن هذا الموقف”.

وأسهمت ممارسات “قسد” في زيادة الاستياء من سياساتها والشك بموقفها تجاه الاتفاق، إذ إنها نفذت حملات اعتقال متكررة في مناطق سيطرتها.

وفي هذا السياق، قال الحمد أن اعتقالات “قسد” تزايدت “بشكل كبير جداً في الرقة على خلفية الاحتفالات بانتصار الثورة السورية وذكراها”.

من جهته، اعتبر الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي، حبيب، أن مثل هذه الأخبار “غير صحيحة وتهدف للتشويش على مناخ التفاهم القائم بين دمشق وشرق الفرات، وأن كل الاحتفالات التي حدثت كانت بحماية قوات الأمن ولم يحدث أي اعتقال أو ترهيب”.

مشاركة المقال: