يعاني سكان الجزيرة السورية من أزمات معيشية خانقة تهدد الأمن الغذائي لمئات آلاف الأشخاص، في ظل غياب حلول ملموسة من السلطات المحلية. ففي دير الزور، تتفاقم أزمة الخبز نتيجة النقص الحاد في الطحين، ما أدى إلى توقف عشرات الأفران. بينما تشهد الرقة تدهوراً متسارعاً في قطاع الثروة الحيوانية تسبب بارتفاع غير مسبوق في أسعار اللحوم، لتتحول موائد كثير من العائلات إلى مشهد يعكس عمق الانهيار المعيشي في المنطقة.
لطالما شكّل قطاع تربية الأغنام والأبقار مصدراً رئيسياً للدخل في ريف الرقة، لكن تراجع الهطولات المطرية خلال السنوات الأخيرة، وانعدام برامج الإسناد الزراعي والرعوي، دفع بالقطاع إلى حافة الانهيار تحت وطأة الجفاف وتضخم التكاليف.
وقال أحد الرعاة من منطقة المنصورة لمراسل : إن نسبة تقلّص المساحات الصالحة للرعي في مناطق مثل الكرامة ومعدان والمنصورة تجاوزت 45% خلال العام الجاري، مشيرًا إلى أن "قلة الأمطار وجفاف الأرض أجبرانا على شراء الأعلاف بأسعار خيالية، كثير من المربين اضطروا لبيع مواشيهم أو ذبحها بسبب العجز عن إطعامها".
عبدالله الحسين، أحد مربي الماشية في ريف الرقة الغربي، قال لمراسلنا: "نعيش أسوأ موسم منذ أكثر من عشر سنوات، الجميع يتحدث عن غلاء اللحوم، لكن لا أحد يرى معاناتنا نحن من نقص المراعي وارتفاع كلفة التربية. تربية الغنم باتت عبئاً فوق طاقتنا".
وشهدت أسعار الأعلاف ارتفاعاً كبيراً خلال الأشهر الماضية:
- سعر طن الشعير: تجاوز 2.5 مليون ليرة سورية
- سعر طن النخالة: تجاوز 3 ملايين ليرة سورية
وبسبب غياب الدعم الفعّال من الجهات المسؤولة، اضطر كثير من المربين إلى تقليص أعداد قطعانهم أو بيعها بخسارة، فيما غادر آخرون المهنة بالكامل بحثاً عن مصادر دخل بديلة. هذا التراجع الحاد في تربية المواشي انعكس مباشرة على أسعار اللحوم في الأسواق:
- سعر كيلو لحم الغنم: بلغ 120 ألف ليرة سورية
- بزيادة تجاوزت 60% مقارنة بالعام الماضي
وباتت اللحوم الحمراء خارج متناول الغالبية، في ظل انخفاض الدخل وغياب فرص العمل، ووسط غياب تام لأي سياسات تضمن الحد الأدنى من الأمن الغذائي.
وفي دير الزور، يعاني أكثر من 170 فرناً في الأرياف من نقص حاد في مادة الطحين، ما أدى إلى توقف العديد منها عن العمل، واضطرار الأهالي إلى اللجوء إلى بدائل مكلفة، كخبز التنور أو إعداد الخبز منزلياً بوسائل بدائية.
وقال أحد أصحاب الأفران في ريف دير الزور لموقع ، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن "سعر كيس الطحين (50 كغ) في السوق السوداء بلغ مؤخراً نحو 120 ألف ليرة سورية، ولا نملك أي خيار سوى تقليص الإنتاج أو التوقف نهائياً، تكلفة المازوت أيضاً تزداد يومًا بعد يوم، وهذا ينعكس على جودة الخبز وكلفته على الناس".
قال "أبو محمد"، من سكان بلدة غرانيج: إن "مخصصات الخبز لا تكفي عائلتي المكونة من 13 فردًا، ما يضطرني إلى شراء خبز التنور أو خبزه في المنزل بتكاليف مضاعفة"، لافتاً إلى أن غياب الرقابة والدعم يزيد من معاناة السكان.
وفي ظل هذا الواقع المتردي، تتزايد الدعوات لتدخل عاجل من الجهات المسؤولة والمنظمات الإنسانية، سواء بدعم مباشر لمواد الطحين والمحروقات، أو عبر إطلاق برامج إنقاذ عاجلة لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية، فاستمرار هذا التدهور، دون خطط واضحة أو رقابة فاعلة، ينذر بانفجار اجتماعي ومعيشي، إن بقيت موائد الأهالي خالية من الخبز واللحم معاً.