في قرية “عبّاد” الزراعية بريف حلب الشمالي، تقف “لما حاج قدور” بثقة، مرتدية معدّاتها الواقية ومستعدة لتفكيك قنبلة عنقودية وُجدت وسط أحد الحقول. لم يعد هذا المشهد استثناءً، بل جزءاً من حياتها اليومية.
“لما” 32 عاماً، خريجة كلية العلوم، اضطرت إلى مغادرة منزلها في ريف حماة قبل ست سنوات بسبب نشاطها المعارض للنظام السابق. استقرت في إدلب، وبدأت العمل في المجال الإنساني عبر عدد من المنظمات، قبل أن تجد مساراً غير مألوف ولكنه بالغ الأهمية، بحسب مقال الصحفية السورية “زينة شهلا”.
انضمت الشابة إلى منظمة “هالو ترست” البريطانية المختصة في تطهير المناطق الملوثة بالمتفجرات من مخلفات الحروب. بدأت بدعم ضحايا الألغام، ثم خضعت لتدريب مكثف أهّلها لتكون من القلائل المؤهلين للعمل في تفكيك المتفجرات على الأرض السورية.
تقول لما: «أعمل في هذا المجال منذ ثلاث سنوات. هو ليس مجرد وظيفة، بل مسؤولية تنقذ حياة الآخرين وتعيد لهم شعور الأمان». وتضيف أن غالبية ما تصادفه في عملها من مخلفات الحرب هي قنابل عنقودية، ألقيت بشكل مكثف على مناطق المعارضة من قبل النظام السابق وحليفته روسيا.
رغم أن هذا العمل محفوف بالمخاطر، تؤكد “لما” أن التزامها التام بإجراءات الأمان هو درعها الأول. “الخوف لا يغيب، لكنه يمنحني اليقظة، أصبحت مصدر ثقة لعائلتي، وأطفالي يعلمون أنني أعمل لحمايتهم قبل كل شيء»، تقول بابتسامة هادئة.
في بيئة يندر أن تُمنح فيها النساء فرصة كهذه، ترى الأم الشابة أن وجودها إلى جانب زميلات أخريات في هذا الميدان رسالة واضحة: النساء قادرات على كسر الحواجز والمساهمة الفعلية في بناء مستقبل آمن ومستقر.
مع انتهاء مهمة تأمين حقل “عبّاد”، يتحضر الفريق للانتقال إلى موقع جديد. تقول لما بثقة: «كل موقع نؤمّنه هو خطوة إضافية نحو وطن أكثر أماناً، ما زال الطريق طويلاً، لكننا سنمضي فيه طالما أن هناك أرضاً ملوثة وأرواحاً مهددة».
