الإثنين, 19 مايو 2025 08:23 PM

سوريا: معاناة مستمرة لعقود.. "مكتومو القيد" من الكرد ضحايا إحصاء 1962 العنصري وحرمان من الحقوق

سوريا: معاناة مستمرة لعقود.. "مكتومو القيد" من الكرد ضحايا إحصاء 1962 العنصري وحرمان من الحقوق

نالين علي/ نورمان العباس – القامشلي/ دمشق

منذ ولادة “صبري” قبل ستة عقود، وهو لايزال مكتوم القيد حتى اليوم، بعد أن جرد والده من الجنسية السورية بعد الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة مطلع الستينات. وفي عهد الرئيس السوري، ناظم القدسي، وبتاريخ الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 1962، أجري الإحصاء السكاني في الحسكة ليوم واحد. ومنذ ذلك الحين تستمر معاناة فئة مكتومي القيد في شمال شرقي سوريا، حيث جُرّد آلاف المواطنين الكرد من حقوقهم المدنية، وهو ما ألقى بظلاله على حياتهم لأجيال لاحقة.

لا تعليم ولا عمل

يقول عزالدين حسن صبري (64 عامًا)، وهو من سكان مدينة القامشلي: “منذ ولادتي وأنا مكتوم القيد، وهذا يعتبر ظلم لنا من جميع نواحي الحياة. لم أستطع الدراسة أو إكمال تعليمي بسبب هذه المشكلة، ولا حتى العمل في المؤسسات الحكومية.” ويشير “صبري” إلى أن الإحصاء الذي أُجري في عام 1962 لم يكن عادلاً، حيث كان ليوم واحد فقط، ولم يكن والده متواجداً حينها، مما حال دون تسجيله، مضيفاً بلهجته المحلية: “كأنهم يقولون: اللي لحق حالو لحق، ولي ما لحق ينقلع. هذه المشكلة سببت لي عقدة وصعوبات كبيرة في حياتي، وحتى أولادي تأثروا بها ولم يستطيعوا إكمال تعليمهم، لأن التعليم لم يكن مفتوحاً لمكتومي القيد والأجانب.” ويستعرض “صبري” معاناته في الجانب المعيشي أيضاً: “حتى دفتر التموين لم يكن لدي، بينما جيراني كانوا يشترون المواد التموينية بنصف القيمة أو أقل، أما أنا فكنت أشتريها بأضعاف.” ويناشد الكردي السوري الإدارة الجديدة في البلاد، قائلاً: “قبل سقوط نظام بشار الأسد وحتى اليوم، أقدّم أوراقي وثبوتياتي لأتمكن من الحصول على الهوية، لكنها لا تزال معلقة في دمشق. نتمنى من الإدارة الجديدة في سوريا أن تنصفنا.”

“مشروع عنصري استثنائي”

من جانبه، يقول رضوان سيدو، المنسق العام للمكتب والهيئة القانونية في المجلس الوطني الكردي في سوريا، إن “الإحصاء الاستثنائي الذي أُجري في محافظة الحسكة بموجب المرسوم التشريعي رقم 93 لعام 1962 كان مشروعاً عنصرياً استثنائياً يستهدف الشعب الكردي.” ويشير إلى أنه جرد نحو 120 ألف كردي سوري من الجنسية ويبين “سيدو” أنه بعد الإحصاء، تم تقسيم المتضررين إلى فئتين: “أجانب محافظة الحسكة: الذين مُنحوا بطاقات حمراء (إخراج قيد) تشير إلى أنهم غير مسجلين كعرب سوريين، وبالتالي حُرموا من الحقوق المدنية، ومكتومي القيد: لم تُذكر أسماؤهم في أي من سجلات الدولة الرسمية”. ويضيف سيدو: “في عام 2011، ومع انطلاق الثورة السورية، أصدر الرئيس السابق بشار الأسد مرسومًا تشريعيًا برقم 49، منح بموجبه الجنسية للأجانب من الفئة الأولى، بينما بقي مكتومو القيد على حالهم حتى الآن.” ويشير المنسق القانوني في “الوطني الكردي” إلى أن الحل اليوم يكمن في “تشكيل لجنة قضائية لتجنيس مكتومي القيد وما تبقى من أجانب محافظة الحسكة.”

“تمييز قانوني”

فيما تقول المحامية لمى الجمل، لنورث برس، إن دستور عام 1962، الذي جُرّد بموجبه العديد من الكرد من الجنسية السورية، يشكل انتهاكاً صريحاً لحقوق الجنسية. وتشير الحقوقية السورية إلى أن ما ترتب على هذا الدستور من ممارسات يمثل خرقاً واضحاً لمبادئ معاهدة حقوق الإنسان، والتي تنص على أن “لكل إنسان الحق في جنسية، ولا يجوز حرمانه منها تعسفاً”. وتضيف أن هناك فئات من السكان مثل مكتومي القيد وأجانب الحسكة، ما زالوا دون جنسية، ويواجهون تمييزاً قانونياً ومجتمعياً، ويُحرمون من حقوقهم المدنية الأساسية”. وتنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للعام 1948، والتي تقضي بأن “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، وأنه لا يجوز، تعسفاً، حرمان أي شخص من جنسيته ولا من حقه في تغيير جنسيته”. وتشير المحامية لمى الجمل إلى أن الشخص غير الحامل لأوراق رسمية لا يستطيع تسجيل أطفاله في المدارس، أو الحصول على عقد عمل، أو التملك، أو حتى التنقل بحرية لعدم امتلاكه جواز سفر، كما أن طلب اللجوء يصبح مستحيلاً بسبب غياب الوثائق الضرورية. كما تطرّقت المحامية السورية إلى المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2011، الذي اعتبرته “فاشلاً في معالجة ملف مكتومي القيد وأجانب الحسكة”.

“خطر انعدام الجنسية”

تشير المحامية السورية إلى أن المرسوم اقتصر على معالجة أوضاع أجانب الحسكة، متجاهلاً تماماً فئة مكتومي القيد، ما أدى إلى استبعادهم بشكل صريح من أي تسوية قانونية. وترى الحقوقية بأن غياب آلية واضحة لتسوية أوضاع مكتومي القيد حرم كثيرين منهم من فرصة الحصول على الجنسية. وتساءلت الجمل عن سبب غياب المعالجة القانونية للحالات الاستثنائية، مشيرة إلى أن التمييز بلغ حدّ وضع رقم “8” على البطاقات الشخصية، وهو ما اعتبرته شكلاً من التمييز الإجرائي والتعاملي. وتطالب المحامية السورية لمى الجمل بـضرورة تشكيل لجنة مختصة لدراسة نتائج مرسوم 1962 وتحليل تداعياته، مع ضرورة إجراء إحصاءات دقيقة حول المتضررين، ووضع آلية لتصحيح الأخطاء القانونية والإدارية الناجمة عنه، حتى وإن مضى على صدوره وقت طويل، مشددة على أهمية إصدار مرسوم جديد وعادل ينظم عملية تجنيس أجانب الحسكة ومكتومي القيد. وفي عام 2022، نشرت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، تقريراً تناول معاناة الكرد المحرومين من الجنسية السورية في الذكرى الـ60 لإحصاء 1962، ولفتت إلى أنَّ “خطر انعدام الجنسية” بات يهدد فئة الأطفال اللاجئين السوريين في الخارج. وبحسب إحصائيات حصلت عليها “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في العام 2018، من مصدر داخل مديرية الشؤون المدنية/ النفوس في الحسكة، فقد بلغت أعداد الكرد السوريين المجردين من الجنسية ما بين العام 1962 (عام الإحصاء) حتى العام 2011 حوالي (517) ألف شخصاً، كان من بينهم أكثر من (171) ألفاً من فئة “مكتومي القيد” الذين حرمهم المرسوم 49 لعام 2011 من حقّهم بالحصول على الجنسية السوريّة أسوة بفئة “أجانب الحسكة وشدد مؤتمر وحدة الصف الكردي المنعقد في القامشلي أواخر نيسان/ أبريل الفائت، على إعادة الجنسية السورية للمواطنين الكرد المجردين منها بموجب إحصاء 1962 الاستثنائي.

وتمثل قضية مكتومي القيد في سوريا إحدى أبرز المآسي الحقوقية المستمرة منذ عقود، حيث لا يزال مئات الآلاف يعانون من غياب الهوية القانونية والحقوق الأساسية.

تحرير: خلف معو

مشاركة المقال: