الخميس, 15 مايو 2025 09:28 PM

رفع العقوبات عن سوريا: قراءة في التحولات الجيوسياسية القادمة وتأثيرها على المنطقة

احمد رفعت يوسف بداية نؤكد، أن قرار رفع العقوبات الأمريكية عن سورية، لا يمكن وصفه، الا كخطوة كبيرة ومفصلية، ليس في تاريخ سورية فقط، وإنما في تاريخ المنطقة كلها. الأكيد أيضاً، ان هذه الخطوة، ليست مجرد رفع للعقوبات، او لتعويم السلطة الجديدة في سورية، وإنما هي أبعد من ذلك بكثير، ويتعلق الامر بإعادة تشكيل المنطقة كلها، على أسس جديدة، ومختلفة تماما، عن المرحلة الماضية، التي بدأت مع بدايات القرن الماضي، وما شهدته من انهيار الإمبراطورية العثمانية، والحرب العالمية الأولى، وسايكس بيكو، وتقسيم سورية (بلاد الشام) وإقامة إسرائيل، وما تخلله من صراع عربي إسرائيلي، رهن المنطقة كلها لهذا الصراع، ويمكن اعتبار انهيار النظام السوري السابق، ورفع العقوبات، نهاية لتلك المرحلة، وبداية لمرحلة جديدة، مختلفة كل الاختلاف، في أسسها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، عن المرحلة السابقة، وهذه التركيبة، سترث تركيبة سايكس بيكو، التي حكمت المنطقة، أكثر من مئة عام، والتركيبة الجديدة، ستحكمها أيضاً لمئة عام مقبلة، على الأقل.

من المهم التأكيد، أن هذه القراءة، لمستقبل المنطقة، مبنية – سواء أعجبتنا أم لم تعجبنا – على أسس موضوعية وعقلانية، وليس على أسس عاطفية وعقائدية، وهنا نعاني من مشكلتين كبيرتين، الأولى ان الصراع في المنطقة، تمت قراءته والتعامل معه، على أسس عقائدية دينية متطرفة، أساسها الصهيونية اليهودية، والإسلام السياسي، وبالتالي كان الجانب العسكري الدموي، هو الذي يدير هذا الصراع، وينظِّر له، ويتحكم به. والمشكلة الثانية، أن التاريخ الحقيقي والعميق للمنطقة، مغيب، وما وصلنا معظمه مشوه، بسبب التحكم العقائدي، وليس العلمي العقلاني في كتابته، ولذلك نحتاج إلى توضيحات لابد منها، لإعادة تظهير الصورة، وتشكيل المشهد.

التوضيح الأول للصورة، وهو أن إسرائيل، التي خاضت منذ عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول/أكتوبر العام 2023، حرباً وجودية، كان يمكن أن تودي بها، لكنها بفضل ما تم تقديمه لها، من مساعدات ودعم، من المنطقة وخارجها، تمكنت من التقاط أنفاسها، وتحطيم اعداءها (حما.س – حز.ب ا.لله – النظام السوري المنهار – النفوذ الإيراني) لكن هذا لم يمنع، من تعرضها لتأثيرات ضربت بنيتها الداخلية، وأركان وجودها بقوة، حيث الدمار، وفقدان الأمن، والثقة بالجيش، والهجرة منها، وتوقف الهجرة إليها، وهروب الاستثمارات، اما التأثير الأكبر، والذي يلعب اليوم الدور الأساس فيما نراه من تحولات، وهي لعنة الديمغرافيا، والتي ستجعلها تتلاشى بشكل تلقائي، خلال عقدين من الزمن فقط، في حال بقاء الصراع العسكري، هو المتحكم بشؤون المنطقة، ولهذا السبب، كان لابد من تحييد هذا الصراع، ونقله على أسس سياسية واقتصادية واجتماعية، تضمن لراس المال والعقل اليهودي، الدور الأهم في المنطقة، ولكن على أسس جديدة أيضاً، وهي اعتبار اليهود، جزء أساسي من مكونات المنطقة، وليس على أساس مشاريع استعمارية استيطانية.

التوضيح الثاني، وهو أن التشكيل الجيوسياسي للمنطقة، تعرض إلى خلل كبير، بسبب تداعيات الصراع فيها، فأساس المنطقة، يتشكل كطائر (الفينيق) الراس فيه هو سورية (بلاد الشام) والجناحان العراق ومصر، والذيل في الخليج.. وهذا ليس تقليلا أو تعظيماً، من شأن أحد، أو منطقة، وإنما للتوصيف الدقيق للخريطة، مع التأكيد، على أهمية كل عضو في الجسم، وما حدث ان الرأس (سورية – بلاد الشام) فقد توازنه ودوره، وتم تقييد الجناحين، مما أحدث الخلل الرهيب، الذي نراه اليوم، حيث الخليج المزدهر، وسورية المدمرة والمحاصرة، ومصر والعراق مقيدتان.

الجانب الآخر، مما يتم رسمه لصورة المنطقة، وهي أن الحديث اليوم عن فيدرالياتٍ سوريةٍ، تخص ما يسمى بشكل غير بريء (الأقليات) لم يأت من فراغ، وليس لحماية الأقليات، او حرصا على دماء ابنائها – كما يتم الترويج له – وإنما هو مجرد بروفا، سيتم تطبيقها في كامل المنطقة مستقبلاً، وهذا يعني بأن شعار (من الفرات إلى النيل) سيتحقق مستقبلاً، ولكن على أسس سياسية واقتصادية وديمغرافية، وليس على أساس مشروع استعماري استيطاني، وهذا سيعيد للمنطقة، وقلبها بلاد الشام دورها، كما كانت في تاريخها الطويل، منطقة للتنوع الديني والعرقي والثقافي، حيث هي منطلق الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلامية، والتي سيتم اختصارها في التشكيل الجديد للمنطقة، بالديانة الابراهيمية، التي أصبح من شبه المؤكد، أن سورية (الجديدة) ستنضم إليها، وهذا أحد شروط رفع العقوبات عنها، وهذا الانضمام، سيعطيها الديناميكية والقوة، التي يجعلها تسود المنطقة، وتشكل عقيدتها الروحية الجديدة، وهذا يعني ضرب الإسلام السياسي (المتطرف) بجناحيه الشيعي والسني، مع ما يعني ذلك، من تغيير الهوية السياسية، لإيران وتركيا.

(اخبار سوريا الوطن ١-الكاتب)

مشاركة المقال: