الأربعاء, 30 أبريل 2025 04:49 PM

أسواق حلب القديمة: تراث نابض يعيد تشكيل ذاكرة المدينة

أسواق حلب القديمة: تراث نابض يعيد تشكيل ذاكرة المدينة
بين الركام والغبار، اجتمع عدد من التجار القدامى في قلب المدينة القديمة بحلب، يتبادلون أحاديثهم حول الوضع الاقتصادي ويتباحثون مستقبل السوق الذي كان إلى وقت قريب يعجّ بالحياة ويُعتبر من أشهر الأسواق العالمية. السوق الذي كان مركزاً للحرف والصناعات اليدوية لم يبقَ فيه سوى الصمت والترقب المشوب بالأمل. يمتد سوق حلب القديم، الذي يُعد شاهداً على قرون من التاريخ، لأكثر من 12 كيلومتراً، تحت أقواس حجرية تعود للعصر الهلنستي، وممتدة عبر العصور المملوكية والعثمانية، ليصبح أحد أكبر الأسواق المسقوفة في الشرق. يضم السوق أكثر من 4000 محل موزعة على 38 سوقاً متخصصاً، ترتبط بممرات متعرجة تؤدي إلى خانات ومساجد وحمامات تاريخية. ينطلق السوق من باب أنطاكية غرباً إلى قلعة حلب شرقاً، ويمثل لقرون طويلة شريان النشاط الاقتصادي للمدينة وملتقى طرق القوافل بين الشام وبغداد وإسطنبول. ولكن، منذ اندلاع الحرب في عام 2012، تعرض السوق لدمار هائل بعد إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي المهدد لدى اليونسكو. وسط هذا الدمار، أصر عدد من التجار على العودة رغم صعوبة الموقف. يقول جميل أبو محمود، أحد أقدم تجار السوق الذي رمم متجره على نفقته الخاصة عام 2017 رغم إغلاق المنطقة: "90% من السوق احترق، لكن القلب لم يحترق". وقد شاركه الحال تجار آخرون مثل عبد الملك لطفي وحسام قضيماتي، الذين رغم ترميم محلاتهم، يشكون من غياب الزبائن والحياة. كما أشار أحمد مخللاتي، مالك عدة متاجر، إلى أن الأضرار التي لحقت بالسوق كانت جراء الزلازل والحرائق والحرب، معبراً عن أمله بأن تعود الأسواق كما كانت سابقاً. وتعمل مديرية آثار ومتاحف حلب على ترميم الأسواق الأثرية باعتبارها شريان الحياة للمدينة. تقول المهندسة رشا مصري: "تعتبر الأسواق أهم بقعة في حلب، وهي جزء أساسي من المشهد الاقتصادي للمدينة الممتدة من باب أنطاكية حتى سوق الزرب". وتضيف أن الترميم يتم بمشاركة جهات محلية ودولية، ووفق معايير دقيقة تحافظ على الهوية المعمارية الأصلية باستخدام الحجر الكلسي وأيدٍ محلية ماهرة. أما منير القسقاس، مدير آثار حلب، فيبرز حجم التحدي أمام إعادة الإعمار، نظراً لحجم الدمار الممتد على مساحة 400 هكتار من المدينة القديمة، مشيراً إلى مشاريع ترميم تشمل الأسواق والمساجد والخانات. بدأت الجهود بتمويل من منظمة الآغا خان، ولكن التمويل لا يزال غير كافٍ لباقي الأسواق. ورغم الترميم، تفتقد الأسواق لزوارها، إذ تنتظر عودة الحياة بزحام الناس وضجيجهم وعبق التوابل ولمعان الذهب في أركانها. يقول جميل أبو محمود مخاطباً السوق وكأنه كائن حي: "نحن هنا، لكن من سيأتي؟ بدون الناس، ستبقى هذه الحجارة مقبرة من ذهب". تظل قصة سوق حلب القديم ملحمة عن ذاكرة الشعوب التي تأبى أن تموت، تتجلى محاولاته للنهوض مجدداً من تحت الرماد، معيداً تأكيده على أن التراث الإنساني يظل خالداً رغم كل التحديات.
مشاركة المقال: