في إطار الجهود المستمرة لإعادة الاستقرار وتعزيز العدالة في محافظة حمص، تواصل "لجنة الغصب البيّن" أعمالها لاسترداد العقارات والممتلكات التي تم الاستيلاء عليها بشكل غير مشروع خلال سنوات النزاع. وبإشراف مباشر من المحافظة، تعمل اللجنة بجدية على معالجة الملفات وفق إجراءات محددة وأولويات إنسانية، ضمن منظومة شفافة تهدف إلى إعادة الحقوق لأصحابها، وتمكين المهجرين من العودة إلى ديارهم.
ويتم استقبال طلبات المواطنين في ديوان "النافذة الواحدة"، حيث يتم التعامل معها وفق آليات واضحة ومحددة، مع مراعاة الحالات الإنسانية والاستثنائية، في خطوة تهدف إلى تسريع الإجراءات وتقريب الحلول. وأوضح رئيس اللجنة، سامي مهيني، في حديث لمنصة ، أن عمل اللجنة انطلق بناءً على قرار رسمي من المحافظة، وبدعم مباشر من محافظ حمص، بهدف معالجة حالات الغصب الواضح وغير القضائي للعقارات بين عام 2011 ولغاية تحرير المدينة في كانون الأول/ديسمبر 2023. وقد أظهرت أعمال اللجنة تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا لدى المواطنين، خصوصًا الذين عادوا ليجدوا منازلهم مغصوبة أو محتلة.
عدد الطلبات واستقبالها
وذكر مهيني أن عدد الطلبات التي تم استقبالها منذ تشكيل اللجنة وحتى تاريخ إعداد هذا التقرير تجاوز أربعة آلاف طلب تقييمي، مشيرًا إلى أن العمل لا يزال مستمرًا، وأن الديوان ما زال يستقبل طلبات جديدة يوميًا. وفيما يتعلق بكيفية معالجة الملفات، أكد مهيني أن جميع الحالات تُعالج ضمن التسلسل المعتمد، إلا في حالة وجود ظروف إنسانية استثنائية مثل وجود مرضى أو كبار سن أو أطفال، حيث تُعطى الأولوية لتلك الحالات. كما بين أن بعض الملفات اضطروا إلى تحويلها إلى الجهات القضائية بسبب وجود إشكاليات قانونية أو فنية تتطلب رأيًا قضائيًا، لكن اللجنة تبقى في حالة تواصل دائم مع تلك الجهات لتسريع الإجراءات.
الحالات الإنسانية وأولويتها
وبخصوص الحالات التي تستحق أولوية خاصة، شدد مهيني على أن جميع الحالات التي تصل إلى اللجنة هي حالات إنسانية بامتياز، فالجميع عانوا من فقدان بيوتهم ومقتنياتهم، ولكن هناك حالات أكثر حرجًا تتعلق بالحاجة الملحة للسكن، أو وجود مرضى أو كبار في السن، وتلقى هذه الحالات اهتمامًا خاصًا، ويتم التعامل معها بشكل سريع بمجرد توفر المستندات المطلوبة. ومن أجل تسريع النظر في الملفات، أشار مهيني إلى أن اللجنة قامت بتحديث العديد من الآليات الإدارية والفنية، بما فيها تسهيل التواصل مع الجهات العامة مثل المصالح العقارية، الطابو، السجل العدلي، وكالة العدل وغيرها. وأكد أنه إذا توفرت كل الوثائق القانونية اللازمة، فإن الإجراء يكون فوريًا، بينما تحتاج الملفات الناقصة إلى وقت أطول لإكمال الإجراءات.
عدد العقارات المستردة
وعلى صعيد الإنجازات، قال مهيني إن نسبة النجاح في استرداد العقارات عالية جدًا، إذ بلغت ما بين 90 إلى 100% في معظم الحالات التي تم تقديم كامل المستندات المتعلقة بها. أما الحالات الأخرى، فهي لا تزال قيد المراجعة القضائية أو بانتظار إكمال بعض الوثائق، حسب مهيني. وحول القيمة الإجمالية للممتلكات المستعادة، أشار مهيني إلى أنها تبلغ مليارات الليرات السورية، دون أن يمكن تحديدها بدقة، نظرًا لتنوع أحجام العقارات وقيمها السوقية. وأضاف أن قيمة المنزل ليست فقط مادية، بل تشمل أيضًا الذكريات والأملاك الشخصية والعاطفة المرتبطة به.
تجار الأزمات والاستيلاء على الأملاك
وقال محمد الشيخ، أحد أبناء مدينة حمص، في حديث لمنصة : “إن عمل هذه اللجنة على درجة عالية من الأهمية، فالكثير من العقارات تركها أصحابها عقب اندلاع الثورة السورية نتيجة التهجير والنزوح القسري، أو هربًا من المجازر التي ارتكبتها قوات النظام السابق وشبيحته في أحياء عدة مثل العدوية وكرم الزيتون والخالدية وغيرها، ما فسح المجال أمام الشبيحة وتجار الأزمات للاستيلاء على أملاك المدنيين، إما عن طريق التزوير أو عن طريق وضع سكان آخرين في هذه العقارات”. وأضاف: “على الجهات القانونية والمنظمات الدولية التحرك لإحصاء مجموع الأملاك التي تم الاستيلاء عليها من قبل النظام السابق وأذرعه الأمنية، وكل ذلك بهدف منع الأهالي من العودة إلى منازلهم أو مدنهم وبلداتهم، وهناك الكثير من الأمثلة تحدث عنها أشخاص فقدوا منازلهم بسبب أن متنفذين وضعوا يدهم عليها بطرق غير قانونية وبضوء أخضر من أمن النظام السابق وشبيحته”.
وتشكل لجنة الغصب البيّن في حمص نموذجًا رائدًا في تعزيز العدالة الاجتماعية وإعادة الحق إلى أصحابه. ومع الدعم الرسمي والعمل المؤسسي المنظم، تمضي اللجنة قدمًا في مهمتها الإنسانية والقانونية، رغم التحديات الواقعية والتقنية التي تواجهها. وفي ظل استمرارية عودة المهجرين، يبقى دور اللجنة حاسمًا في إعادة الأمن والاستقرار النفسي إلى المجتمع المحلي.
يُذكر أنه منذ عام 2018، بدأ النظام السابق تحركات لمصادرة الأراضي والمنازل، حيث صدر القانون رقم 10 الذي يطالب اللاجئين بإثبات ملكيتهم لعقارات يمتلكونها، والحضور شخصيًا، أو سيتم سحب الملكية منهم. وأصدرت حينها منظمة “هيومن رايتس ووتش” بيانًا أوضحت فيه أن هذا القانون سيحرم الكثير من اللاجئين من أملاكهم.