الإثنين, 1 ديسمبر 2025 01:12 PM

واشنطن تُغلق سماء فنزويلا: تصعيد خطير أم فصل جديد من سياسات ترامب؟

واشنطن تُغلق سماء فنزويلا: تصعيد خطير أم فصل جديد من سياسات ترامب؟

في خطوة غير مسبوقة، وصفها البعض بأنها "بلطجة جوية" تتجاوز الأعراف الدبلوماسية والقانون الدولي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر منصته "تروث سوشال"، إغلاق المجال الجوي لفنزويلا "بالكامل". يذكر هذا الإعلان بممارسات القوى الإمبريالية في عصور الاستعمار، ويأتي في ظل تصعيد عسكري في البحر الكاريبي، وتصنيف واشنطن هياكل الدولة الفنزويلية كمنظمات إرهابية أجنبية في إطار "الحرب على الناركو"، مما يثير مخاوف من تمهيد لحرب تهدف إلى خنق كاراكاس وإسقاط نظامها، وهو ما قد يشعل القارة اللاتينية.

هذا التصعيد دفع ترامب إلى توجيه رسالة إلى شركات الطيران والطيارين، معتبراً سماء فنزويلا مغلقة. ورغم أن الرئيس الأميركي لا يملك سلطة قانونية على الأجواء السيادية لدولة مستقلة، إلا أن "هيئة الطيران الفدرالية" الأميركية (FAA) أصدرت تحذيرات أمنية بشأن التحليق في المجال الجوي الفنزويلي، مما دفع شركات الطيران العالمية إلى الخضوع خوفاً من العقوبات. في المقابل، وصفت وزارة الخارجية الفنزويلية تصريحات ترامب بأنها "تهديد استعماري" و"عدوان غير مبرر" ينتهك ميثاق الأمم المتحدة. وردت فنزويلا بإلغاء حقوق التشغيل لست شركات طيران كبرى امتثلت للتحذيرات الأميركية، وعلقت بشكل أحادي رحلات ترحيل المهاجرين التي كانت واشنطن تعول عليها.

بالتوازي مع الحصار الجوي، تنفذ الولايات المتحدة عملية "الرمح الجنوبي" (Southern Spear)، التي تبدو كقرصنة بحرية منظمة. تشير التقارير إلى أن القوات البحرية الأميركية، التي حشدت أسطولاً ضخماً، نفذت أكثر من 21 غارة في الكاريبي، مما أسفر عن مقتل أكثر من 83 شخصاً. وبينما تدعي الإدارة أن تلك القوارب تابعة لمهربي مخدرات، تصف التقارير ما يحدث بأنه "عمليات قتل خارج القانون". ونقلت الصحف عن مصادر استخبارية أن وزير الحرب الأميركي بيت هيغسيث أصدر أوامر شفهية بقتل كل من على متن القوارب وتنفيذ ضربات لاحقة لقتل الناجين في المياه.

في محاولة لتبرير هذه الإجراءات، لجأت واشنطن إلى تكتيك شيطنة الخصم، حيث صنفت إدارة ترامب الرئيس نيكولاس مادورو وكبار مسؤولي الدولة كقادة لما يسمى "كارتل الشموس"، لشرعنة استهداف رأس الدولة الفنزويلية، وربما تبرير عمليات اغتيال أو اختطاف، مع رصد مكافأة 50 مليون دولار للقبض على مادورو و25 مليون دولار لوزير داخليته. وتتجاهل واشنطن أن الكوكايين يأتي بشكل أساسي من كولومبيا، وأن الفنتانيل يأتي من المكسيك والصين. وكشفت تصريحات وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت عن أن "حدوث شيء ما في فنزويلا" قد يؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، مما يؤكد أن الحملة محاولة للسيطرة على أكبر احتياطي نفطي في العالم.

وسط هذا التصعيد، تسربت أنباء عن مكالمة هاتفية بين ترامب ومادورو، بحضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو. ورغم أن البعض اعتبر الاتصال بادرة للتهدئة، إلا أن السياق العام يشير إلى تكتيك "المسار المزدوج" الذي يفضله ترامب: التفاوض تحت النار، حيث التهديدات بشن عمليات برية تجعل من هذه الدبلوماسية مجرد غطاء لكسب الوقت أو تضليل الرأي العام، خاصة مع رفض شعبي أميركي واسع لأي حرب جديدة.

يرى خبراء في شؤون أميركا اللاتينية أن ترامب وضع الجيش الأميركي والمعارضة الفنزويلية اليمينية ونفسه في "مأزق استراتيجي". منهجية "الضغط المتصاعد" لم تؤد إلى انهيار الجيش الفنزويلي، بل دفعت كاراكاس إلى تعزيز تحصيناتها وتعبئة الميليشيات الشعبية. يبدو أن هناك سيناريوَين رئيسَيين، كلاهما يمثل خسارة لواشنطن وحلفائها: الأول، الاكتفاء بالاستعراض العسكري والضربات الجوية المحدودة في البحر دون غزو بري شامل، ثم سحب القوات تدريجياً، مما يعني خروج مادورو من الأزمة أقوى من ذي قبل، وتوجيه ضربة إلى مصداقية واشنطن. أما السيناريو الآخر، فهو تحويل التهديدات إلى غزو حقيقي، سواء بضربات جوية مكثفة أو إنزال بري محدود للسيطرة على حقول النفط، وهو ما قد يواجه مقاومة شرسة من الجيش الفنزويلي والميليشيات الشعبية.

مشاركة المقال: