الثلاثاء, 18 نوفمبر 2025 08:34 PM

محاكمات علنية لأحداث الساحل: خطوة نحو العدالة والشفافية واستعادة الثقة بالقضاء السوري

محاكمات علنية لأحداث الساحل: خطوة نحو العدالة والشفافية واستعادة الثقة بالقضاء السوري

مع اختتام الجلسة العلنية الأولى لمحاكمة المتهمين بارتكاب انتهاكات خلال أحداث الساحل التي وقعت في آذار الماضي، تقف سوريا أمام منعطف هام يتجاوز حدود قاعة المحكمة في قصر العدل بحلب. هذه الجلسة، التي ترأسها القاضي زكريا بكار وحضرها ممثلو وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، لم تكن مجرد إجراء قضائي روتيني، بل كانت خطوة تحمل رسائل سياسية وقانونية عميقة حول مستقبل العدالة في البلاد بعد سنوات من الحرب وسياسات الانتقام.

أبرز ما يميز هذه المحاكمة هو العلنية الكاملة التي تجري بها، وهي سابقة منذ تحرير سوريا، مما يعكس رغبة الحكومة في تعزيز الشفافية في قطاع القضاء وعرض الإجراءات على الملأ، وإظهار أن الدولة تتعامل مع هذه الملفات بشفافية تامة. من الناحية القانونية، يؤكد الخبراء أن الجلسات تتوافق مع المعايير الدولية، سواء من حيث حق الدفاع أو تعدد الجلسات أو حضور وسائل الإعلام. هذا التأكيد يتماشى مع تصريحات رئيس لجنة التحقيق، القاضي جمعة العنزي، الذي وصف هذه المحاكمات بأنها لحظات فاصلة تعكس صورة سوريا الجديدة التي ترسي أسس العدالة والشفافية.

تكشف المعطيات التي قدمها تقرير لجنة التحقيق، من أعداد الضحايا الذين بلغوا 1426 قتيلاً، بينهم 90 امرأة، وتوثيق أسماء 298 متهماً بارتكاب انتهاكات جسيمة، بالإضافة إلى 265 متهماً من فلول النظام البائد، عن حجم الملف وتعقيده. ومع ذلك، فإن الأهم من هذه الأرقام هو الآلية التي تدار بها القضية: شهادات، أدلة رقمية، محاضر استجواب، تعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية، وإحالة 563 مشتبهاً به إلى القضاء. هذا العمل المؤسسي، بما يتضمنه من إجراءات متدرجة، يرسل رسالة ضمنية إلى الرأي العام مفادها أن الدولة تسعى إلى بناء مسار عدالة يعتمد على منهجية واضحة لا على انتقائية.

الجدير بالذكر أن المحاكمات لا تقتصر على طرف واحد، بل تشمل عناصر من "الفلول" وعناصر متورطة من الأجهزة، مما يعزز فكرة "عدم إفلات أي طرف من العقاب" التي أكدتها وزارة العدل ولجنة التحقيق. هذا التوازن تحديداً هو ما دفع مراقبين حقوقيين، مثل مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، إلى وصف الخطوة بأنها في الاتجاه الصحيح، مع التأكيد على ضرورة استمرارها وتوسيعها.

من منظور سياسي أوسع، تمثل هذه المحاكمة استجابة لمطلب رئيسي ظهر منذ بداية أحداث الساحل، وهو إظهار قدرة الدولة على إدارة العدالة في ملفات حساسة ذات طابع طائفي وأمني، دون أن تتحول المحاسبة إلى أداة انتقامية أو تسوية سياسية بغطاء قضائي. بمعنى آخر، تسعى الحكومة إلى تقديم نموذج قضائي يوضح أن سوريا تتجه نحو مرحلة جديدة تقاس فيها شرعية المؤسسات بقدرتها على تطبيق القانون بعدالة، وليس فقط بقدرتها على فرض السيطرة، بالإضافة إلى إعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسسات العدالة، وهي الثقة التي لطالما كانت معياراً أساسياً لاستقرار المجتمعات وقدرتها على تجاوز جراحها.

مشاركة المقال: