الثلاثاء, 11 نوفمبر 2025 01:43 AM

عُسر الكتابة: اضطراب عصبي يعيق التعبير وأساليب علاجه

عُسر الكتابة: اضطراب عصبي يعيق التعبير وأساليب علاجه

عنب بلدي – د. أكرم خولاني عُسر الكتابة هو أحد صعوبات التعلم التي تؤثر على اكتساب مهارات الكتابة والتعامل مع القلم. على الرغم من شيوع هذه الحالة، حيث يعاني طفل من كل خمسة أطفال من صعوبات في التعبير عن نفسه من خلال الكتابة اليدوية، إلا أن تشخيص عسر الكتابة ليس شائعًا، ونادرًا ما يتم الحديث عنه بين الأهالي وفي المدارس. وهنا تكمن المشكلة، فحتى في العصر الرقمي، تعد الكتابة اليدوية مهارة مهمة وضرورية للنجاح في مرحلة الطفولة وما بعدها. وفي حال وجود عُسر الكتابة، تصبح عملية الكتابة ومهارات الكتابة الأساسية الأخرى أكثر صعوبة، مما يجعل الطالب أكثر عرضة للتخلف عن أقرانه الذين ليست لديهم صعوبات تعلم.

كما يؤثر عُسر الكتابة على الأداء الأكاديمي عامة ويؤدي إلى تدني الثقة بالنفس الذي يمكن أن يستمر حتى مرحلة البلوغ، لذا فإن تشخيص عُسر الكتابة أمر بالغ الأهمية، ورغم أنه لا يوجد علاج نهائي له، فإن هناك استراتيجيات للمساعدة في إدارته وتخفيف آثاره السلبية.

ما المقصود بعُسر الكتابة؟

عُسر الكتابة (Dysgraphia) هو اضطراب عصبي، يمكن أن يصيب الأطفال أو البالغين، يؤثر على المهارات الحركية والوظيفية للكتابة، مما يؤدي إلى إعاقة الكتابة بخط اليد وترميز قواعد الإملاء أو الكتابة (قواعد الكتابة، عملية تخزين الكلمات المكتوبة ومعالجة الحروف في هذه الكلمات)، وتسلسل الأصابع (حركة العضلات اللازمة للكتابة)، وصعوبة في تحويل الأفكار إلى نص مكتوب والتعبير عنها كتابيًا بشكل متناسق.

ويصنف عسر الكتابة إلى نوعين:

  • عُسر الكتابة المُكتَسَب، وهو ما يرتبط بإصابة الدماغ أو المرض أو الحالات التنكسية التي تجعل الفرد (عادة كشخص بالغ) يفقد المهارات المكتسبة سابقًا في الكتابة.
  • عُسر الكتابة التنموي، وهو ما يرتبط بالصعوبات في اكتساب مهارات الكتابة خلال مرحلة النمو، ويعتبر هذا النوع من عُسر الكتابة هو الأكثر شيوعًا في مرحلة الطفولة، وأسبابه غير معروفة، وله بعض الأنواع الفرعية، وهي:
  • عُسر الكتابة الحركي: يتجلى في ضعف التنسيق الدقيق بين الأداء الحركي والإدراك البصري ما ينتج عنه نص غير مقروء.
  • عُسر الكتابة المكاني: يرتبط بخلل في الإدراك الفراغي مما يؤثر على دقة تباعد الحروف والقدرة على الرسم.
  • عُسر الكتابة اللغوي: يؤثر على مهارات التعامل مع اللغة المطلوبة في عملية الكتابة، وأكثر تأثيره على النص المكتوب دون تتبعه أو نسخه.

وغالبًا، ولكن ليس دائمًا، ما يكون عُسر الكتابة مصحوبًا بإعاقات تعليمية أخرى مثل عُسر القراءة أو اضطراب نقص الانتباه.

ما الأعراض التي توحي بحالة عُسر الكتابة؟

خط يد غير واضح: عادة ما يكون خط اليد غير الواضح إحدى العلامات الشائعة على عُسر الكتابة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون كل شخص لديه خط سيئ يعاني من هذا الاضطراب. من الممكن أيضًا أن يكون خط اليد أنيقًا مع وجود عُسر الكتابة.

عدم التناسق: كالتباعد غير المنتظم بين الكلمات، كأن تكون بعض الكلمات متداخلة ببعضها، في حين أن بعضها الآخر متباعد، وقد يبدأ الطفل الكتابة في منتصف الصفحة بدلًا من اليسار أو اليمين، وعدم القدرة على الكتابة على خط مستقيم، فيكتب بعض الكلمات فوق السطر وبعضها تحته، وفيما يتعلق بالكتابة باللغات الأجنبية (بالحروف اللاتينية على سبيل المثال)، قد يكون الطفل ملمًا بقواعد الكتابة، كاستخدام الأحرف الكبيرة (G, R, A) في بداية الجملة، لكنه يكتب الحروف بطريقة عشوائية مثل “grEat”.

أخطاء إملائية: أخطاء متكررة في الهجاء والتنقيط، هذا العرض ليس شائعًا.

مشكلات في المهارات الحركية الدقيقة: يشكو بعض الأطفال من أن أيديهم تؤلمهم بشدة بعد الكتابة، وقد يمسكون بالقلم بصورة غير طبيعية أو يضغطون عليه أو يكتبون بأجسادهم في وضع غير معتاد.

ما أسباب عُسر الكتابة؟

إذا ظهر عُسر الكتابة في مرحلة الطفولة، فعادة ما يكون نتيجة مشكلة في فهم الإملاء أو حروف الهجاء، والمسؤول عن ذلك جانب من جوانب الذاكرة الذي يسمح بتذكر الكلمات المكتوبة بشكل دائم والطريقة التي يجب أن تتحرك بها اليدان أو الأصابع لكتابة هذه الكلمات، أي أن الدماغ يعاني من مشكلات في التعامل مع الكلمات والكتابة، وذلك لأسباب جينية أو لأسباب مرتبطة بالنمو قبل الولادة أو الولادة المبكرة.

عندما يصيب عُسر الكتابة البالغين، عادة ما يكون السبب سكتة دماغية أو إصابة دماغية معينة، فمثلًا قد تؤدي إصابة الفص الجداري الأيسر للدماغ إلى عُسر الكتابة.

كيف تُشخص الحالة؟

عادة ما يتم تشخيص عُسر الكتابة من قبل طبيب نفسي مرخص متخصص في اضطرابات التعلم، وقد يشمل في بعض الأحيان فريقًا من المتخصصين، بمن فيهم المعالجون المهنيون ومعلمو التربية الخاصة وعلماء النفس التربوي. يمكن للفريق استخدام مجموعة متنوعة من الأدوات لتشخيص عُسر الكتابة، وتتضمن الاختبارات عادة قسمًا للكتابة، مثل نسخ جمل أو الإجابة عن أسئلة كتابية موجزة، بالإضافة إلى مكون حركي دقيق يختبر ردود فعل الفرد وسرعة حركته.

ويعمل اختصاصي التشخيص على فهم كل من جودة الكتابة وإلى أي مدى ينظم المريض الأفكار وينقلها وعملية الكتابة بحد ذاتها وفيما إذا كانت الكتابة مؤلمة أم لا.

كيف يتم العلاج؟

لا يوجد علاج شافٍ لعُسر الكتابة، ولكن يعد التشخيص المبكر بالغ الأهمية، إذ إنه يساعد على البدء بالاستراتيجيات المساعدة بشكل مبكر، ويتم تصميم استراتيجيات العلاج حسب احتياجات الفرد وأعراضه. وفيما يلي بعض الطرق المستخدمة في علاج عُسر الكتابة:

  • التركيز على التعليم والدعم الخاص: يتم تطوير برامج التعليم الخاص وفقًا لأسلوب التعلم واحتياجات الفرد، وهي تهدف إلى تحسين مهارات الكتابة وتقويتها من خلال تلقي الدعم في الفصل الدراسي أو في أماكن التعليم الخاص.
  • العلاج المهني: يمكن أن يقدم المعالجون المهنيون تمارين وأنشطة خاصة تركز على تحسين مهارات اليد لدى الفرد وطرق التعامل مع القلم الرصاص وعضلات اليد.
  • علاج النطق واللغة: يمكن لاختصاصيي النطق واللغة تنظيم جلسات علاجية لتحسين عملية الكتابة والمهارات اللغوية، ويمكن العمل على المهارات التعبيرية للفرد وبنية اللغة والمفردات اللغوية.
  • الدعم التكنولوجي: يمكن لأجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والأدوات التكنولوجية الأخرى تسهيل عملية الكتابة لدى الأفراد الذين يعانون من عسر الكتابة، ويمكن أن تساعد الكتابة على لوحة المفاتيح والكتابة الصوتية والأدوات التكنولوجية الأخرى في التغلب على صعوبات الكتابة.
  • تطبيقات القلم والورق: يمكن استخدام تطبيقات خاصة بالقلم والورق لتحسين مهارات الكتابة لدى الفرد، ويمكن تصميم هذه التطبيقات لتعليم ترتيب الحروف والكلمات وتحسين مهارات الإمساك بالقلم الرصاص وتسهيل عملية الكتابة.
  • التعاون بين الأسرة والمدرسة: يمكن أن يساعد التعاون مع الأسر والمدرسين في دعم الفرد بالبيئة المدرسية والمنزلية، ويسهم هذا التعاون في تحديد الاستراتيجيات والأساليب المناسبة للاحتياجات الخاصة للفرد.

ولا بد أن ننوه إلى أن علاج عُسر الكتابة هو عملية تنطوي على التقييم والتكيف المستمر، ولذلك بالتوازي مع تطور الفرد، يمكن تقديم الدعم المناسب والفعال من خلال تحديث خطة العلاج والاستراتيجيات.

مشاركة المقال: