صدر حديثًا عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الجزء الأول من كتاب "التغريبة السورية: الحرب الأهلية وتداعياتها المجالية والسكانية 2011-2020" للباحث سامر بكور، والذي يتناول بالدراسة المناطق الجنوبية والوسطى والساحلية في سوريا.
يركز الكتاب على تحليل الأسباب التي أدت إلى اندلاع الثورة السورية في عام 2011، وكيف تحولت إلى حرب أهلية كان لها تأثير كبير على التركيبة السكانية والجغرافية للبلاد حتى عام 2020. كما يتناول الكتاب ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" وتداعياته على مسار الصراع الدائر.
يفصل المؤلف الأسباب المباشرة لاندلاع الثورة، بدءًا من حادثة اعتقال أطفال في درعا كتبوا شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وما تلا ذلك من احتجاجات واجهت قمعًا شديدًا. بالإضافة إلى ذلك، يعرض الكتاب الأسباب غير المباشرة، والتي تتمثل في تراكم الاستياء من نظام الحكم منذ انقلاب حزب "البعث" في عام 1963، وقيام حافظ الأسد ببناء هيكل سلطوي طائفي داخل مؤسسات الدولة والأمن، وهيمنة النخبة العلوية على الموارد والمناصب، مما أدى إلى ترسيخ الولاءات على أسس طائفية مقابل الحصول على الامتيازات.
يتناول الكتاب أيضًا التحولات الاقتصادية التي شهدتها سوريا بعد عام 2000، حيث شهدت البلاد انفتاحًا اقتصاديًا "انتقائيًا" أدى إلى اتساع الفجوة الطبقية وتراجع فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، بالإضافة إلى آثار الجفاف الطويل الذي دفع ملايين المزارعين إلى الهجرة نحو المدن، مما زاد الضغط على البنية التحتية. ويشير الكتاب إلى خيبة أمل السوريين من وعود الإصلاح في عهد بشار الأسد، مع استمرار الفساد وتدهور مستوى المعيشة.
يصف الكتاب كيف تحولت الاحتجاجات السلمية إلى صراع مسلح نتيجة القمع المفرط، وتشكيل "الجيش السوري الحر" في عام 2012، وتدخل قوى خارجية دعمت أطراف النزاع، بينما حافظت روسيا والصين على حماية النظام سياسيًا، وقدمت إيران وروسيا دعمًا عسكريًا مباشرًا. ويرى الكتاب أن تعدد القوى المتدخلة أضعف فرص الحل السياسي وأطال أمد الحرب.
يرصد المؤلف تأثير ظهور تنظيم "الدولة" بين عامي 2014 و2015، وكيف غيّر اتجاه الصراع من مواجهة النظام إلى مواجهة التنظيم، مما أضعف المعارضة ومنح النظام فرصة لاستعادة موقعه الدولي عبر خطاب "مكافحة الإرهاب".
خصص الكتاب جزءًا كبيرًا لظاهرة النزوح باعتبارها أبرز نتائج الحرب، مع التمييز بين أنواعها المختلفة: الانتقائية والعشوائية والجماعية. ويشير إلى أن النظام استخدم القصف والحصار والتجويع والمذابح كوسائل لإحداث "نزوح استراتيجي" شمل التطهير السكاني والترحيل القسري. ووفقًا للأمم المتحدة، تحولت الأزمة السورية إلى "أكبر كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية"، حيث بلغ عدد المتضررين 13.5 مليون شخص، بينهم 6.8 مليون لاجئ و6.9 مليون نازح.
يحلل الكتاب القوانين والإجراءات التي كرست منع العودة ومصادرة الممتلكات، مما أدى إلى تغييرات ديموغرافية واسعة، كانت إدلب أبرز محطاتها. ويخلص إلى أن الحرب السورية أنتجت تحولات سكانية وجغرافية جعلت من قضية النزوح ورقة ضغط سياسية تتجاوز حدود البلاد.
مَن المؤلف؟
سامر بكور هو أكاديمي سوري حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة "جيسن" في ألمانيا، ويعمل محاضرًا في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة "إكستر" في المملكة المتحدة. يدرّس مقررات عدة، منها الهجرة والتهجير في الشرق الأوسط، والحركات الإسلامية في الشرق الأوسط، والسلطة وعدم المساواة والعدالة الانتقالية. عمل باحثًا زائرًا في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بالدوحة، وفي مركز "حرمون للدراسات المعاصرة" باسطنبول. تركز أبحاثه على العلاقات الأمريكية- العربية، والتهجير القسري، والنزوح الداخلي والخارجي، والحرب السورية.