تترقب الأوساط السياسية الإقليمية والدولية في باريس نتائج الزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، والتي تعتبر منعطفاً استراتيجياً هاماً في السياسة السورية وفي خريطة الشرق الأوسط وتحالفاته الجديدة. تأتي هذه الزيارة بعد عقود من التحالفات السابقة، وعلى رأسها "محور المقاومة" الذي شهد حروباً امتدت آثارها إلى الساحة الدولية.
تشير العديد من الدراسات السياسية إلى أن هذه الزيارة تتجاوز البروتوكولات المعتادة، نظراً لتوقيتها ومكانها في "البيت الأبيض"، فضلاً عن رغبة واشنطن في إطلاق مرحلة جديدة نحو شرق أوسط يسوده السلام والتنمية بدلاً من الحروب والنزاعات، مع التركيز على الحلول الاقتصادية والاستثمار.
قد يستغرق الأمر بعض الوقت لترجمة القضايا الإقليمية والدولية على أرض الواقع، ولكن يمكن قراءة التفاعلات على الساحة السورية بشكل أسرع. ووفقاً لتصريحات توم باراك، المبعوث الأميركي في حوار المنامة، فإن الرئيس أحمد الشرع سيزور واشنطن في 10 تشرين الثاني، وأن سوريا ستنضم رسمياً إلى التحالف الدولي لمحاربة "داعش".
تعتبر هذه الزيارة الأولى لرئيس سوري إلى واشنطن منذ الاستقلال عام 1946. وكان الرئيس الشرع قد التقى بالرئيس الأميركي ترمب في الرياض في 14 أيار الماضي، وشارك في اجتماعات الأمم المتحدة في أيلول. تشير هذه المؤشرات المتسارعة إلى توافق بين واشنطن ودمشق حول العديد من الملفات وترتيب أولوياتها، وإلى عودة واشنطن إلى دمشق عبر بوابة مكافحة الإرهاب، وتحول تدريجي في مقاربة التحالف الدولي نحو شراكة مع الدولة السورية.
يعني ذلك أن مشروع "قسد" يتجه نحو الحل، مع التنسيق الأمني بين العاصمتين، حيث كانت واشنطن هي المعنية بمنح الدور الوظيفي لقسد ورعايتها. وبالمقاربة الجديدة، ستتولى دمشق إدارة هذا الملف، وعلى قسد فهم وتقبل التحولات الجديدة.
إن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب سيتيح لها الاستفادة من فرص الشراكة والتزاماتها الميدانية والسياسية والأمنية، وهو ما سينسحب على ملفات أخرى، بما في ذلك دور الكيان الإسرائيلي في تسخين ملف الجنوب. تفترض الشراكة تعاون أطراف التحالف للعمل على تبريد الملفات الساخنة.
كما أن انضمام سوريا إلى التحالف سيعني إنجاز الاتفاق الأمني، إذ لا يمكن تصور شراكة سورية أميركية مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية، أو مع بقاء ملفات أمنية سورية مفتوحة تهدد الأمن والاستقرار السياسي الداخلي، مثل ملفي "قسد" و"السويداء".
ستكون إعادة الإعمار المنتظرة في سوريا إحدى نتائج اجتماع واشنطن بين الرئيسين الشرع وترمب. وترى بعض القراءات السياسية أن هذا الاجتماع يمهد لرفع عقوبات قيصر، وإلغاء كل العقوبات المفروضة على سوريا، لتبدأ عملية إعادة الإعمار وتدفق الاستثمارات.
ومع ذلك، فإن الملفات السورية المتراكمة، وشكل التحالفات السابقة، ودور اللاعب الروسي، وقبول اللاعب الإيراني، وأطماع الكيان الإسرائيلي، كلها قضايا معقدة لن تحل بين ليلة وضحاها. لكن مسار الشراكة السورية الأميركية يتطلب رعاية أميركية لسد الطرق وتفتيت العوالق، بمشاركة سورية راغبة في عودة دورها الإقليمي بقيادة الرئيس الشرع.