الإثنين, 3 نوفمبر 2025 05:33 PM

حدث تاريخي: الرئيس السوري أحمد الشرع يزور البيت الأبيض في تحول للعلاقات مع واشنطن

حدث تاريخي: الرئيس السوري أحمد الشرع يزور البيت الأبيض في تحول للعلاقات مع واشنطن

في تطور تاريخي غير مسبوق، يستعد الرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة البيت الأبيض في واشنطن يوم العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، ليصبح أول رئيس سوري تطأ قدماه مقر الرئاسة الأمريكية.

هذه الزيارة ليست مجرد نهاية لقطيعة طويلة الأمد، بل هي انعكاس لإعادة تموضع سوريا على الساحة السياسية الدولية، من دولة تعاني من العقوبات والعزلة إلى طرف فاعل يحصل على مقعد في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة.

أعلن المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، عن الزيارة خلال مشاركته في "حوار المنامة"، مؤكداً أن الرئيس الشرع سيزور واشنطن في الموعد المحدد، مع احتمال لقاء يجمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وكشف براك أن الانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" سيكون محوراً أساسياً في برنامج الزيارة. تأتي هذه الخطوة بعد أقل من عام على سقوط النظام السابق، في مرحلة سياسية تتزامن فيها ترتيبات الانتقال الداخلي مع إعادة تعريف علاقات سوريا الخارجية.

تكتسب هذه التطورات أهميتها من تاريخ العلاقة بين دمشق وواشنطن. فعلى مدى عقود، كانت اللقاءات الرئاسية الكبرى تعقد خارج العاصمة الأمريكية، مثل لقاء ريتشارد نيكسون في دمشق عام 1974، ولقاء حافظ الأسد مع بيل كلينتون في جنيف عام 2000، بينما ظل البيت الأبيض مغلقاً أمام أي رئيس سوري. لذا، فإن استقبال الشرع اليوم يمثل تصحيحاً لمسار تاريخي أبعد سوريا عن اللقاءات الرئاسية المباشرة، ويضفي على هذه الخطوة دلالات سياسية تتجاوز العلاقات الثنائية إلى إعادة تعريف مكانة سوريا في النظام الدولي.

في واشنطن، بدت الإدارة الأمريكية وكأنها تمهد الطريق لاستقبال الضيف السوري. فقد تم سحب ترشيح جويل ريبورن لمنصب معاون وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بعد تعثره في لجنة العلاقات الخارجية، في إشارة إلى رغبة الإدارة في إدخال وجوه جديدة تتناسب مع نهج الانفتاح على دمشق، بعد سنوات كان فيها ريبورن رمزاً لسياسة العقوبات.

وفي الوقت نفسه، أعلنت وزارة الخارجية دعمها لإلغاء قانون "قيصر" عبر إدراجه في مشروع قانون الدفاع الوطني، مع ترك القرار النهائي للكونغرس، في ما اعتبر علامة على تغير المزاج السياسي واستعداد الإدارة لفتح صفحة جديدة مع دمشق.

وفي الداخل السوري، ظهرت تحركات موازية. فقد تم نقل "جيش سوريا الحرة" من تبعية وزارة الدفاع إلى وزارة الداخلية، وربطه مباشرة بمسرح البادية –التنف، مع تغيير قيادته من سالم العنتري إلى المقدم أحمد التامر، في خطوة تهدف إلى تسهيل التنسيق الميداني مع قوات التحالف عبر أذرع تمتلك خبرة سابقة في التعامل معه.

بالتوازي، دفعت قوات سوريا الديموقراطية (قسد) بمسار اندماج منظم داخل الجيش السوري، وقدمت للتحالف قائمة بنحو سبعين ضابطاً من ذوي خبرة قتال "داعش"، في ما بدا أن الترتيبات الميدانية سبقت الإعلان السياسي. هذه التطورات، وإن بدت متفرقة، ترسم صورة توحي بأن السياسة لا تعرف المصادفات الكاملة، وأن ما يجري أقرب إلى تحضيرات مدروسة لتهيئة الأرضية قبل لحظة البيت الأبيض.

في خلفية هذه التحركات، يمر التحالف الدولي نفسه بمرحلة انتقالية. فمع استكمال إعادة التموضع في العراق، لم يعد ممكناً الاكتفاء بترتيبات ظرفية داخل سوريا، بل باتت الحاجة إلى إطار قانوني وعملياتي واضح أكثر إلحاحاً. هنا تكتسب زيارة الشرع معناها العملي: ليست مجرد إعلان انضمام، بل خطوة تمنح الشرعية لوجود قوات التحالف على الأراضي السورية، وتثبت هندسة جديدة تجعل من سوريا المسرح الأساسي لمهمة مكافحة "داعش" بعد طي صفحة العراق.

لكن شرعنة الوجود الأمريكي لا تعني أن الطريق سيكون سهلاً. فالتحديات الميدانية قائمة، وفي مقدمها مسألة المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش السوري ومدى تقبلهم عقائدياً وسياسياً فكرة التنسيق مع الولايات المتحدة.

كذلك، يبقى اندماج قوات سوريا الديموقراطية في الجيش السوري وتوزيع الأدوار القيادية ملفاً حساساً، خصوصاً أن "قسد" و"جيش سوريا الحرة" هما الأكثر جاهزية للتنسيق مع التحالف بحكم التسليح والتدريب الأمريكيين. ورغم أن من المبكر الجزم بكيفية تفاعل القوى الإقليمية مع هذا التحول، فإن المؤكد أن الاتفاق المرتقب بين دمشق وواشنطن يحمل في طياته مكاسب وتحديات متبادلة.

بالنسبة لسوريا، يفتح باباً إلى شرعية دولية طالما افتقدتها، ويتيح وصولاً إلى منتجات استخبارية وتقنية متقدمة، فضلاً عن قنوات تجهيز وتدريب لوحدات متخصصة. لكنه في المقابل يفرض التزامات ثقيلة: انضباطاً أكبر في إدارة العمليات، ومساءلة أوضح في حال وقوع أخطاء، وقيوداً مالية وإجرائية تحد من هامش المناورة.

أما الولايات المتحدة، فستكسب شريكاً محلياً قادراً على رفع كفاءة ملاحقة "داعش" وتقليص الاحتكاك غير المقصود في الجنوب والبادية، لكنها ستواجه تحدي التعامل مع بنية عسكرية سورية متباينة الولاءات والعقائد.

بهذا المعنى، فإن الاتفاق إذا ما وُقّع سيعيد رسم قواعد اللعبة، لكنه سيضع الطرفين أمام اختبار يومي لتحويل النصوص إلى ممارسة منضبطة وفعّالة. هكذا، تتقاطع التحضيرات السياسية في واشنطن مع إعادة الهيكلة الميدانية في سوريا لتصب جميعها في لحظة واحدة: استقبال رئيس سوري في البيت الأبيض للمرة الأولى.

إنها لحظة تختصر مساراً طويلاً من العزلة والعقوبات، وتحوّل سوريا من موضوع يناقش في الغرف الخلفية إلى طرف يجلس مباشرة إلى طاولة القرار. غير أن ما بعد التوقيع سيبقى الاختبار الأهم: هل تتحول الرمزية إلى واقع سياسي وعسكري مستدام؟

مشاركة المقال: