الإثنين, 3 نوفمبر 2025 07:27 AM

تغير المناخ في سوريا: الأسباب والتداعيات وضرورة التحول العادل

تغير المناخ في سوريا: الأسباب والتداعيات وضرورة التحول العادل

تستدعي التحديات البيئية والمناخية والاقتصادية الراهنة، بالإضافة إلى مستويات انعدام الأمن المائي والغذائي في سوريا، فهمًا معمقًا للأسباب السياسية التي أدت إلى تفاقم ظاهرة تغير المناخ. يتطلب الأمر أطر تفكير وعمل اقتصادية-سياسية تتجاوز الأساليب التقليدية والنيوليبرالية التي أوصلت كوكب الأرض إلى أزمته المناخية الحالية، وذلك بحسب لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي.

تغير المناخ: ظاهرة سياسية-اقتصادية

أكدت فروع علمية متعددة، مثل علم الغلاف الجوي، وعلم المناخ القديم، وعلم الظواهر الطبيعية، وعلم المحيطات، أن النشاط البشري خلال الثورة الصناعية، بالتزامن مع صعود الرأسمالية الحديثة، هو المسؤول الرئيسي عن ظاهرة تغير المناخ وموجة الانقراض الجماعي السادسة. يصنف بعض علماء الأحياء هذه الموجة بأنها الأسرع في تاريخ الأرض.

في المقابل، توضح مجالات أكاديمية أخرى، كالدراسات البيئية السياسية والنسوية البيئية، والتي تبحث في العلاقات بين النظم السياسية والاقتصادية وتأثيراتها على البيئة والكائنات الحية والمجتمعات، أن العقلية الرأسمالية والاستعمارية، وما انبثق عنها من نظم، تتعامل مع الطبيعة وكائناتها، والأرض والإنسان، باعتبارهم سلعًا تدر الأرباح على أصحاب رؤوس الأموال، أو كأشياء يمكن التخلص منها لإقامة مشاريع هيمنة أو "استثمار" لتوسيع النفوذ وتعزيز السلطة وتراكم الثروة.

بناءً على ذلك، فإن المنظومة الاقتصادية السياسية العالمية الحديثة، أي النيوليبرالية العالمية، تمثل نموذجًا سياسيًا-اقتصاديًا غير مستدام، يستنزف إمكانيات الأرض المحدودة من معادن وطاقة ومياه وغابات وتُرب، ويلوثها ويدمرها. كما تستغل هياكل الهيمنة السياسية العالمية والمحلية، بحسب السياق، وتُشعل الحروب والنزاعات على الموارد، وتراكم المزيد من المظالم الهيكلية والأزمات الطبيعية والإنسانية. لذلك، يجب تغيير إطار التفكير والعمل، وإعادة صياغة الاقتصاد ليكون علمًا اجتماعيًا يدعم أطر العدالة الاجتماعية والبيئية والمناخية.

تجليات تغير المناخ والدمار البيئي في سوريا

برزت تجليات تغير المناخ في منطقتنا بوضوح في أواخر التسعينيات من القرن الماضي. تشير إحدى الدراسات إلى أن مناخ المنطقة بين عامي 1998 و2012 كان أكثر جفافًا بنسبة 50% مقارنة بالفترة الأكثر جفافًا في الـ 500 عام الماضية. وقد انعكس ذلك على مناسيب المسطحات المائية، ما أدى إلى جفاف أجزاء منها، كنهر بردى على سبيل المثال. كما ظهر أثر موجات الجفاف والتصحر على حياة مئات الآلاف من السوريين، من النساء والرجال، الذين يعملون في الرعي والزراعة، ما أدى إلى نزوح مليون ونصف المليون شخص داخليًا في عام 2006، وهي ظاهرة تتوافق مع بيانات من سياقات أخرى في الجنوب العالمي، حيث يعد تغير المناخ واحدًا من أهم أسباب النزوح والهجرة.

تواجه سوريا اليوم أزمة غذاء محتملة، بعد جفاف يعد الأسوأ منذ 36 عامًا، أدى إلى خفض إنتاج القمح بنحو 40%. وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة أن تواجه سوريا عجزًا في إنتاج القمح بمقدار 2.73 مليون طن متري هذا العام، وهو ما يكفي لإطعام 16 مليون شخص لمدة عام. كما تعاني منطقة الجزيرة واحدًا من أسوأ مواسم القطن في تاريخها، إذ تراجعت مساحات زراعته من حوالي 52 ألف هكتار في عام 2011 إلى أقل من سبعة هكتارات في العام الحالي.

حاليًا، يعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي، ونصف السكان أيضًا مهددون بالجفاف. وتعد سوريا ثالث أكثر البلدان المعرضة لخطر الجفاف، من بين تسع دول صُنفت على أنها "عالية المخاطر" بفعل تغير المناخ. وشهد هذا العام أدنى مستوى لهطول الأمطار منذ عام 1956. فمثلًا، تشهد "عين الفيجة" أدنى مستوى مياه منذ 33 عامًا، ويتراجع مستوى مياه نهر العاصي بشكل حاد، إذ انخفضت الهطولات المطرية وانعدم تساقط الثلوج في منطقة نبع العاصي بالهرمل في لبنان، وبلغت كمية الأمطار التي هطلت في حمص 141 ملمترًا من أصل 400 ملمتر، المعدل السنوي المعتاد، ما انعكس سلبًا على جميع المصادر المائية، ومنها نهر العاصي.

إضافة إلى ما ورد، فقد امتدت الحرائق، في تموز الماضي، إلى أكثر من 14 ألف هكتار، وتضمنت المساحات المحترقة غابات وحراجًا بنسبة 82.55%، وأراضي زراعية بنسبة 15.21%. وقد أسهم في صعوبة إخماد تلك الحرائق موجة حر شديدة بفعل تغير المناخ، وألغام غير منفجرة من مخلفات الحرب، ووعورة التضاريس، وضعف الموارد. وكذلك كانت حرائق 2020، التي طالت ما يقارب 10-14 ألف هكتار، دمرت غابات وأراضي زراعية، ونحو 75% من الكتلة الحيوية فوق الأرض في المناطق الأشد ضررًا، وتسببت في تدهور التربة والمياه، وزيادة في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون قُدّرت بحوالي 210 آلاف طن. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية في 2022 استمرار ضعف تجدد الغطاء النباتي حتى بعد عامين من الحرائق.

منذ السبعينيات، تحول اقتصاد سوريا من رأسمالية الدولة وسياسات الدعم الحكومي للمواد الأولية، إلى اقتصاد نيوليبرالي يعتمد على "رأسمالية المحسوبية"، مصحوب بإجراءات تقشف وسياسة التقنين لاستهلاك المياه والطاقة. واليوم، تعمّق السلطة الجديدة من السياسات النيوليبرالية. أما عن منهجية مواجهة الجفاف والأزمات البيئية والمناخية الحالية والمقبلة، فكانت، ولا تزال، تتسم السياسة العامة بالحلول المؤقتة الترقيعية، والصيانات الإسعافية المحدودة، بسبب غياب منهجية سياسية بيئية، وأطر عدالة بيئية ومناخية، وبسبب واقع النزاع، وما بعده، والتهجير، والعقوبات، وقلة الموارد.

سيتناول الجزء الثاني من المقال في العدد المقبل مسارات التحول الممكنة وتبيئتها في السياق السوري.

مشاركة المقال: