الإثنين, 3 نوفمبر 2025 06:34 AM

شاب هولندي يعيد اكتشاف سوريا: قصة شغف تلهم السياحة وتغيّر الصورة النمطية

شاب هولندي يعيد اكتشاف سوريا: قصة شغف تلهم السياحة وتغيّر الصورة النمطية

هنادة سمير: في لحظات استرجاع الذاكرة، قد تبرز صورة شارع أو رائحة قهوة أو ضحكة بائع، تفاصيل صغيرة تلامس قلب الغريب الذي أحب المكان بسرعة. هذا ما حدث لشاب هولندي، بعد رحلة حول العالم، قرر الاستقرار في دمشق، المدينة التي تركت في نفسه أثراً عميقاً.

قد لا يعرفه السوريون باسمه الكامل، وليس نجماً في الإعلام التقليدي، لكنه أصبح مؤثراً عبر منصات التواصل، يغيّر الصورة النمطية السائدة منذ سنوات، ويعيد صياغة الحكاية: سوريا، وجهة حياة.

هذا الشاب الهولندي، الذي وقع في حب سوريا أمام ملايين المتابعين، يتجول في أزقة الشام القديمة وسوق الحميدية وجبل قاسيون، ويبتسم للكاميرا قائلاً بثقة: "سوريا ليست ما تتوقعونه... إنها أجمل بكثير". هذه الجملة البسيطة، كانت بمثابة نافذة أمل للسوريين الذين تعبوا من الصور النمطية. تفاعل الكثيرون مع المحتوى، ليس فقط لأنهم يفتقدون سياحة الأجانب، بل لأنهم يبحثون عن دليل خارجي يؤكد أن بلدهم ما زال جميلاً وقادراً على النهوض.

الخبيرة التنموية والاجتماعية سوسن السهلي، أوضحت لـ"الثورة" أن انتشار هذه القصة يعود إلى تعطش العالم للحكايات الإنسانية، ورغبة السوريين في الاعتراف بجمال بلدهم بعد سنوات ارتبط فيها اسم سوريا بالنزاع واللجوء. وأضافت أن المحتوى الذي يقدمه الشاب الهولندي لا يروج للبلد كوجهة سياحية فحسب، بل كمجتمع حي حافظ على دفئه رغم كل شيء. فالسياحة في سوريا ليست سياحة معالم فقط، بل قصص إنسانية ودفء الأماكن.

وتضيف السهلي أن صورة سوريا في الإعلام العالمي كانت حبيسة العناوين القاتمة، أما اليوم فهناك محاولة متصاعدة لتقديم سردية مختلفة: دولة تتنفس من جديد. كما أن رغبة الناس في اكتشاف ما وراء القوالب الإعلامية أعادت الاهتمام بسوريا كوجهة مغامرة وثقافة وتاريخ وروح، وليست منطقة رمادية في خرائط الأخبار.

ويرى متابعون أن توقيت انتشار قصة الشاب مهم جداً، حيث تزامن مع مؤشرات دولية بدأت تميل نحو الاعتراف بتحسن الوضع في مناطق واسعة من البلاد، ومع ازدياد أعداد السوريين العائدين طوعاً من أوروبا في هولندا مثلاً. أثارت برامج تشجيع العودة نقاشات حول تقييم الأمان في سوريا، مما انعكس على حضور القصص الإيجابية، ومنها قصة هذا الشاب، التي بدت للكثيرين وكأنها دليل واقعي ينبض بالحياة.

وتقول السهلي إن تأثير القصة لا يتوقف عند شاشات المتابعين، ففي الشارع الدمشقي، يشعر الناس بالفرح وهم يشاهدون سائحاً أجنبياً يسأل عن الأماكن التاريخية أو يطلب التقاط صورة تذكارية قرب الجامع الأموي، وأصحاب المحال يبتسمون ويخبرون الزائر بأن البلد يستحق أن يُرى بعين منصفة.

وفي السياق ذاته، تسجل مكاتب سياحية محلية ازدياداً ملحوظاً في الطلبات الواردة من شباب أوروبيين يبحثون عن تجربة غير اعتيادية. ومن تلك الفيديوهات القصيرة التي يلتقطها هاتف محمول، تولد سياحة من نوع جديد، بسيطة لكنها تحمل قوة عالمية في تشكيل الذائقة والرأي العام.

من جهته، بين الخبير السياحي ماهر البكري أن قصص السفر الفردية تصنع اليوم ما لا يمكن للمؤسسات الرسمية أن تصنعه خلال سنوات. فالمؤثر الذي يختبر المكان بصدق يمنح الجمهور ثقة لا تُكتسب بسهولة. ويرى أن سوريا اليوم تملك فرصة ذهبية أن تتحدث عن نفسها عبر الآخرين.

ويضيف أن هناك محتوى متنامياً من مسافرين ألمان وفرنسيين وصينيين في 2024 و2025، وهذه ليست حالات معزولة بل بداية توجه يجب احتضانه، ودورنا أن نسهّل عليهم المهمة من دون أن نفرض عليهم خطاباً دعائياً يفقد مصداقيتهم.

ويربط الخبير السياحي هذه الظاهرة بتحسن نسبي في البنية التحتية السياحية وبدء عودة الطيران الإقليمي إلى بعض المطارات السورية، إضافة إلى تزايد اهتمام الجاليات السورية والأجنبية بما يسمى السياحة التجريبية، أي السفر لاكتشاف ثقافات ما بعد الحروب.

ورغم ذلك يرى أن الطريق ليس مفروشاً بالورود، فالسياحة ليست فيديوهاً جميلاً فحسب لكنها تحتاج بنية تحتية قوية، ونظام خدمات احترافياً، وسهولة في التنقل والإقامة، وضمانات أمنية واضحة. ولا تزال هناك تحديات تتعلق بتأشيرات الدخول، ونقص المرشدين المؤهلين بلغات متعددة، وضغط الأسعار في بعض المناطق السياحية وضعف الخدمات واستمرار العقوبات. إلا أن مقابل هذه التحديات، هناك فرص كبيرة من خلال: عودة السياحة الثقافية، بروز السياحة الاستكشافية، وتطلع الشباب الأوروبي إلى أماكن أصيلة لم تُفسدها التجارية المفرطة.

أخبار سوريا الوطن١-الثورة

مشاركة المقال: