الجمعة, 31 أكتوبر 2025 04:42 PM

لبنان على مفترق طرق: هل تحميه التسويات الإقليمية بين طهران والرياض من الانهيار؟

لبنان على مفترق طرق: هل تحميه التسويات الإقليمية بين طهران والرياض من الانهيار؟

تقف المنطقة على أعتاب تحول دقيق يتجاوز التحالفات القديمة نحو إعادة رسم موازين النفوذ. ما يجري بين إيران والسعودية، وكل منهما والولايات المتحدة، يشير إلى أن الشرق الأوسط يعيش مرحلة "هدوء الترقب" لا الاستقرار الحقيقي، وهو هدوء يحمل ملامح اشتباك مؤجل قد يتخذ أشكالاً سياسية واقتصادية وأمنية.

إيران انتقلت من العزلة إلى فرض الحضور، ورفضها للعرض الأميركي بتسليم اليورانيوم المخصب مقابل تأجيل "آلية الزناد" كان رسالة سياسية تقول: "لن نُساوَم على حقوقنا السيادية". عزز هذا موقفها الإقليمي أمام خصومها، وذكّر بأنها تمتلك أوراق ضغط في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ما يعقد أي مواجهة معها.

في المقابل، أصبحت السعودية أكثر واقعية في سياستها الخارجية، وانتقلت منذ اتفاق بكين مع إيران من المواجهة المباشرة إلى إدارة النفوذ الهادئة. وهي تختبر نتائج الانفتاح مع طهران، وتحاول الموازنة بين علاقتها المتجددة مع واشنطن، وانفتاحها على بكين وموسكو.

يدخل الملف اللبناني ضمن هذا السياق كمنصة اختبار لشكل "التعايش الحذر" بين المحورين الإيراني والسعودي. وحكومة نواف سلام تمثل وجهاً جديداً للحياد المنضبط، حيث يسعى الرجل القادم من خلفية قانونية ودبلوماسية دولية لإبعاد لبنان عن التجاذبات دون الاصطدام بأي محور. وأعاد انفتاحه على السعودية الدفء للعلاقات العربية، فيما إصراره على تثبيت سيادة الدولة أمام إيران و"أي تدخل خارجي" رسم حدوداً جديدة للتوازن. لكن التحدي الحقيقي هو ترجمة هذا الحياد إلى نتائج اقتصادية وأمنية ملموسة، لأن بقاء لبنان في موقع المراقب لن يحميه من الانهيار إن لم يتحرك للإصلاح واستعادة الثقة الدولية.

يتجه المشهد نحو اختبار نوايا. فإذا التزمت إيران بضبط النفس في الإقليم، واستمرت السعودية في نهج الانفتاح المشروط، فسنشهد تراجعاً في التوتر الإقليمي وعودة للمقاربات الاقتصادية بدل العسكرية. وعندها يمكن للبنان أن يؤدي دور الجسر بين المحورين، خاصة إن استطاع سلام تثبيت توازن الداخل واحتواء تأثير حزب الله ضمن مظلة الدولة.

أما إذا فشلت التسويات النووية أو عاد الضغط الأميركي إلى ذروته، فسترتفع حرارة المواجهة غير المباشرة، وستتحول الساحات الهشة -ومنها لبنان- إلى مسارح لتصفية الحسابات. عندها سيُختبر حياد الحكومة اللبنانية في أقسى الظروف، وسيُطرح السؤال مجدداً: هل يستطيع لبنان البقاء على الحافة دون أن يسقط في الفوضى؟ هل يستطيع رئيس الحكومة اللبنانية الحفاظ على هذا التوازن الدقيق بين طهران والرياض، دون إغضاب الداخل المنقسم أو إرباك الخارج المتربص؟

هل ما نشهده اليوم هو انفتاح حقيقي يمهد لتسوية شاملة، أم مجرد هدنة سياسية تخفي صراعاً مؤجلاً؟ الوضع الراهن متأرجح بين انفراج محسوب وانفجار مؤجل. المنطقة تعيش لحظة توازن هش، ولبنان يقف عند نقطة مفصلية بين أن يكون ساحة اشتباك جديدة، أو نموذجاً لتوازن عقلاني بين قوتين إقليميتين تسعيان لإعادة تعريف نفوذهما في الشرق الأوسط.

مشاركة المقال: