الجمعة, 24 أكتوبر 2025 12:58 PM

تنازلات لبنانية لقبرص في ترسيم الحدود البحرية: خسارة محتملة لـ 5000 كلم مربع

تنازلات لبنانية لقبرص في ترسيم الحدود البحرية: خسارة محتملة لـ 5000 كلم مربع

أفادت مصادر مطلعة بأن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 23 تشرين الأول 2025، كانت بمثابة نقطة تحول في مسار تخلي الدولة اللبنانية عن جزء من سيادتها وحقوقها، بالإضافة إلى إخفاقها في الوفاء بواجباتها تجاه الشعب.

وذكرت المصادر أن الحكومة الحالية، التي تواجه تحديات اقتصادية كبيرة، قد ارتكبت خطأ استراتيجياً فادحاً في ملفي الترسيم البحري مع قبرص والتنقيب عن النفط والغاز جنوباً.

ففي الملف الأول، اتخذت الحكومة قراراً بالمضي قدماً في مشروع الترسيم البحري وفقاً لاتفاق عام 2007، الأمر الذي يعني التنازل عن حوالي 5000 كيلومتر مربع من المياه الاقتصادية الخالصة للبنان مع قبرص. وفي الملف الثاني، منحت الحكومة شركة «توتال» حق الاستكشاف والإنتاج في البلوك الرقم 8، على الرغم من وجود بعض الشكوك التي تحيط بهذه الاتفاقية وتؤخر عملية الاستكشاف لسنوات.

وفيما يتعلق بملف التنقيب، استجاب وزير الطاقة جو صدي، ومعه مجلس الوزراء، لطلب شركة «توتال» بإجراء مسح في البلوك 8 «في أثناء 3 سنوات»، قبل اتخاذ قرار بشأن بدء عمليات الحفر. وجاء ذلك على حساب عرض شركة TGS النروجية – الأميركية، التي كانت قد تقدمت بعرض لإجراء مسح ثلاثي الأبعاد لـ 1200 كيلومتر مربع في البلوك الرقم 8، بهدف توفير بيانات تسد الفجوة في المعلومات الجيولوجية حول هذا البلوك، علماً بأن العرض كان مجانياً. بالإضافة إلى ذلك، كانت TGS ملتزمة بمعالجة البيانات على امتداد البحر اللبناني ودمجها وعرضها على شركات الاستكشاف العالمية، والترويج والتسويق لدورات التراخيص.

إلا أن الكارثة الأكبر تمثلت في المصادقة على خطة الترسيم البحري مع قبرص، بناءً على دراسة وُصفت بالضعيفة، وحجج أكثر ضعفاً، مما يعكس عدم وجود استعداد حقيقي لدى السلطة للتعامل مع هذا التحدي. وقد استمع الوزراء إلى عرض مندوب الجيش الضابط البحري مازن بصبوص، الذي استند إلى رأي قانوني للخبير نجيب مسيحي.

وقدّم مسيحي وبصبوص دراسة تتبنى اتفاقية العام 2007 بين لبنان وقبرص، والتي تعتمد على مبدأ خط الوسط. وذكرت الدراسة أن «لبنان في العام 2011، أودع رسمياً الأمم المتحدة إحداثيات نقاط حدوده البحرية بموجب المرسوم 6433، وأن تقرير UKHO البريطاني عام 2011 الذي طلبته الحكومة آنذاك، أكد أن للبنان حقاً إضافياً لناحية ترسيم الحدود البحرية جنوباً، ولم يلحظ أن للبنان حقاً إضافياً باتجاه قبرص».

وزعم العرض أن الشاطئ اللبناني أطول من الشاطئ القبرصي، ضمن نسبة (1 / 1.8)، ليخلص إلى أن محكمة البحار الدولية لن تعتبر أن هذه الفروقات كبيرة، بشكل يستدعي إدخال تعديلات على خط الوسط. وبعبارة أخرى، أكد الفريق المسؤول عن العرض أن لبنان لن يحصل على مساحات إضافية من المياه الاقتصادية، إذا ما قرر الذهاب إلى تحكيم دولي.

وركّز عرض الخبيرين مسيحي وبصبوص في جلسة الحكومة على تكريس فكرة أن اللجوء إلى التحكيم يعني خسارة المعركة.

ونسف العرض نفسه أي حق للبنان في تعديل المرسوم 6433، منطلقاً من أنه «يحق للبنان التعديل لناحية الحدود الجنوبية، كونه تم حفظ حقه بالتعديل بموجب المادة 3 من المرسوم 6433، المودع لدى الأمم المتحدة، والعدو الإسرائيلي لم يعترف بالخط 23، بل رسم حدوده الشمالية مع لبنان وفق الخط رقم 1، غير القانوني، مما أدى إلى خلق منطقة متنازع عليها في مياهنا البحرية». وأوحى عرض بصبوص إلى أن «الذهاب إلى التحكيم من أجل تعديل المرسوم، قد يؤدي إلى خسارة المعركة».

وفي المقابل، يمكن تعديل المرسوم 6433، وفق المادة الثالثة منه، التي نصت بوضوح على أنه «يمكن مراجعة خط الحدود البحرية وتحسينه وتعديل لوائح إحداثياته، في حال توافرت بيانات أكثر دقة، وعلى ضوء المفاوضات مع دول الجوار المعنية». وما يمنع لبنان من تعديل المرسوم بالاستناد إلى Estoppel principle، هو أن تكون الجهة المعارضة للتعديل (قبرص في هذه الحال) قد قبلت بالاتفاق وبنت مصالحها على هذا الأساس، ما يجعل أي تعديل يلحق الضرر بها.

وهذا الشرط لا ينطبق على قبرص، لأسباب عدة: لم تقبل قبرص بالاتفاقية. وفي أثناء المفاوضات الرسمية الوحيدة بين لبنان وقبرص، في نيقوسيا عام 2011، شرح الجانب اللبناني أن اتفاق الترسيم بين قبرص وإسرائيل، تسبب بضرر للبنان، فأوضح الجانب القبرصي أن الاتفاقية لم تُصدَّق بعد وأن من حق الطرف القبرصي الدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وأقر بأن الاتفاقية مع لبنان تتضمن إمكانية التعديل بعد تصديقها. إضافة إلى أن الاتفاقية لم تُصدَّق وهي غير سارية المفعول. ولم ترسّم قبرص حدودها رسمياً مع لبنان، بل عينت حدود بلوكات النفط التي تدعي ملكيتها، وهذا لا يعد ترسيماً. ولبنان لن يضر بمصالح قبرص، في حال إعادة التفاوض لأن أي تنقيب لم يبدأ في البلوكات القبرصية القريبة من الخط مع لبنان.

وعملياً، صادقت الحكومة على توصيات مسيحي وبصبوص، متجاهلة وجهات نظر تتصل بالمبادئ التي تعتمد في الترسيم البحري بين الدول، بناءً على قرارات صادرة عن المحاكم الدولية ذات الصلة (محكمة العدل الدولية ومحكمة قانون البحار)، والتي تعتمد ليس فقط على منهجية خط الوسط، بل تأخذ في الاعتبار مبدأ «الإنصاف»، وذلك استناداً إلى منهجية ثلاثية، تبدأ بخط وسط مبدئي وتعديله استناداً إلى «الظروف الخاصة» و«تناسب أطوال الشواطئ»، وأخيراً اختبار الفروقات المفرطة (disproportionality)، للتأكد من أن المساحة الممنوحة متناسبة مع طول الساحل.

وإلى ذلك، ينبغي مراعاة التفاوت الجغرافي والديموغرافي بين البلدين لصالح لبنان، وهو ما يتماشى مع روح اجتهادات محكمة قانون البحار التي جعلت الإنصاف «في قلب عملية الترسيم» (كما في قضية بنغلاديش ضد ميانمار، 2012). أما التطبيق الحرفي لخط الوسط، فيفيد قبرص (الدولة الجزيرة المحاطة بالساحل من كل الجهات) على حساب لبنان (الدولة ذات الساحل القصير)، ما ينتهك مبدأ «النتيجة المنصفة» الوارد في المادتين 74 و83، من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

وكانت دراسة أعدها مركز الاستشارات القانونية والأبحاث (كان يديره السفير سعد زخيا) في الخارجية اللبنانية، عام 2014، خلصت إلى أن لبنان خسر 2643,85 كيلومتراً مربعاً، لأن الاتفاق مع قبرص لم يأخذ في الاعتبار اعتماد فرق طول الشاطئ بين البلدين، ومنهجية الترسيم المنصف ومبدأ التناسب. واللافت أن دراسة حديثة لمصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، استعانت بأحدث طرق الاحتساب والقياسات والأقمار الاصطناعية وبتطبيق علمي لمنهجية الترسيم وتناسب أطوال الشواطئ، بينت أن لبنان فقد بموجب اتفاق 2007، مساحة تقدر بأكثر من 5,000 كلم مربع، من منطقته الاقتصادية الخالصة.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: