الأحد, 19 أكتوبر 2025 01:41 AM

تقسيم حلب إلى كتل إدارية يثير جدلاً: هل هو حل للخدمات أم تعقيد إضافي؟

تقسيم حلب إلى كتل إدارية يثير جدلاً: هل هو حل للخدمات أم تعقيد إضافي؟

أثار قرار محافظة حلب بتقسيم المدينة إلى خمس كتل إدارية جدلاً واسعاً بين أهالي المدينة وعلى وسائل التواصل الاجتماعي. انقسمت الآراء بين مؤيدين يرون فيه خطوة ضرورية لتنظيم الخدمات وتسهيل وصولها للمواطنين، ومعارضين يشككون في جدواه القانونية والعملية، معتبرين أنه إجراء متسرع.

أكدت المحافظة أن الهدف من هذا التقسيم هو تحسين الاستجابة الميدانية وتوزيع الموارد بشكل عادل. في المقابل، أعربت بعض الشرائح عن استيائها وشككت في قدرة المشروع على إحداث تغيير حقيقي، محذرة من تكرار البيروقراطية بصيغة جديدة.

أوضح مدير دائرة الإعلام في محافظة حلب، مأمون الخطيب، لموقع سوريا 24 أن الهدف هو تحقيق عدالة أكبر في توزيع الخدمات والموارد، مشيراً إلى أن هذه الخطوة لا تقتصر على التنظيم الإداري، بل تتيح للمحافظة فهمًا أفضل لاحتياجات كل منطقة وتحديد الأولويات بشكل واقعي. وأضاف أن الخطط والموازنات المالية سترتبط بكل كتلة وفقًا لاحتياجاتها الفعلية، مؤكدًا أن الهدف هو الإنصاف وليس المساواة الصورية.

وشدد الخطيب على أن المحافظة لن توزع الموارد بطريقة جامدة، بل وفق رؤية تضمن عدم تهميش أي كتلة ومنع تركز الخدمات في منطقة دون أخرى، وأن هذه الآلية ستجعل القرار الإداري أقرب إلى الواقع الميداني وتسرع الاستجابة لاحتياجات المواطنين.

من جهته، أكد محافظ حلب، المهندس عزام الغريب، أن القرار يهدف إلى تعزيز التواصل المباشر مع الأهالي ورفع مستوى المتابعة الميدانية، خاصة في ظل الكثافة السكانية الكبيرة التي تتميز بها المدينة. وأوضح أن إدارة كل كتلة ستقوم على ثلاثة مستويات إدارية تشمل: مسؤول عن الأمن الداخلي، مسؤول عن الإدارة المحلية والخدمات، وممثل عن المحافظة يتولى التنسيق بين المؤسسات الحكومية في الكتلة.

وأضاف المحافظ أن مسؤول الكتلة سيكون بمثابة نائب للمحافظ، ينسق بين الجهات الخدمية والأمنية، ويتواصل بشكل مباشر مع لجان الأحياء والمخاتير. كما أعلن الغريب عن تخصيص مكاتب شكاوى ومتابعة في كل كتلة لتسهيل تواصل المواطنين مع ممثليهم الإداريين، مشيراً إلى أن عمل مسؤولي الكتل سيخضع لتقييم دوري لضمان الكفاءة والشفافية. واختتم بالقول: نريد أن يشعر المواطن بثمرة هذا التنظيم، وأن نكون أقرب إلى الناس وأكثر سرعة في معالجة قضاياهم.

وقد سمى محافظ حلب المهندس عزام الغريب مسؤولي الكتل الإدارية الخمس التي شملها مشروع كتل حلب على النحو الآتي: محمد ياسر مولوي – مسؤول الكتلة الأولى. حمود علي الشيخ كياري – مسؤول الكتلة الثانية. أحمد عبد الناصر ترمانيني – مسؤول الكتلة الثالثة. محمد بكري منافيخي – مسؤول الكتلة الرابعة (الأحياء الجنوبية). هيثم الهاشمي – مسؤول الكتلة الخامسة (الضواحي والمناطق الجديدة).

تباينت ردود الفعل في الشارع الحلبي وفي مواقع التواصل الاجتماعي حول القرار والخبرة المهنية التي يمتلكها المسؤولون عن هذه الكتل، بين من عبر عن ارتياحه للقرار باعتباره خطوة نحو إدارة أكثر فاعلية، ومن أبدى تحفظه معتبراً أن التقسيم الجديد قد يكون تغييراً شكلياً بلا أثر ملموس أو تجاوزاً للأطر القانونية.

الناشطة ريم المصري دافعت عن المشروع، معتبرة أن التركيز على خلفيات المعينين أو اختصاصاتهم لا يخدم المصلحة العامة، وقالت: نعرف بعض مسؤولي الكتل معرفة شخصية، وهم من خيرة أبناء حلب، داعية إلى الحكم على أدائهم في الميدان.

في المقابل، رأى هوفيك شهيريان أوهانس أن نجاح المشروع يتوقف على تفعيل دور مخاتير الأحياء واللجان المحلية، مضيفاً: أن العمل الخدمي الحقيقي يحتاج إلى تماس مباشر مع الشارع، وأن على المسؤول أن يذهب إلى الناس لا أن ينتظرهم في المكاتب.

اعتبر الكاتب أحمد مستو أن القرار يتعارض مع قانون الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، موضحاً أن صلاحية إحداث أو تعديل الوحدات الإدارية تعود إلى السلطة المركزية لا إلى المحافظات. وقال مستو: إن القانون واضح في أن إحداث المدن أو تعديل حدودها يتم بقرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير الإدارة المحلية، معتبراً أن ما قامت به المحافظة يمثل تجاوزاً للصلاحيات ويضعف مبدأ اللامركزية الذي نص عليه القانون.

أما الباحث محمد السكري، فركز على الجانب الاجتماعي والتنفيذي، معتبراً أن التقسيم الجديد لم يراع الخصوصية السكانية والثقافية لكل منطقة، وشدد على أن غياب الكفاءات المتخصصة في الإدارة العامة والحوكمة قد ينعكس سلباً على التنفيذ.

بدوره، تساءل محمود إبراهيم عن جدوى القرار الجديد، بالقول: كانت حلب مقسمة سابقاً إلى ثمانية قطاعات، ألم يكن من الأفضل تطوير هذا النظام بدل استحداث تقسيم جديد بخمس كتل؟

بين مؤيد يرى في الخطوة نواة لتجربة لامركزية حقيقية، ومتحفظ يخشى من ارتباك إداري وتضارب صلاحيات، تبقى كتل حلب مشروعاً مثيراً للجدل في واحدة من أكثر المدن السورية تعقيداً من حيث التركيبة السكانية والعمرانية.

ويجمع معظم المراقبين على أن نجاح التجربة سيتوقف على قدرة المسؤولين الجدد على التواصل الميداني وتحويل القرارات الإدارية إلى تحسين ملموس في الخدمات اليومية، بعيداً عن البيروقراطية والمصالح الضيقة.

ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ستكون كتل حلب بداية لإدارة محلية أكثر عدلاً وفاعلية؟ أم أنها ستنضم إلى سلسلة المشاريع التي بقيت حبراً على ورق؟ الإجابة، كما يخمن الشارع الحلبي، لن تتضح إلا حين يلمس المواطن الفرق على أرض الواقع.

مشاركة المقال: