الجمعة, 24 أكتوبر 2025 01:01 PM

الكشف عن الدولة المحمية: غرفة عمليات أمريكية تراقب قرارات إسرائيل وتثير جدلاً سيادياً

الكشف عن الدولة المحمية: غرفة عمليات أمريكية تراقب قرارات إسرائيل وتثير جدلاً سيادياً

لم يعد مصطلح "العلاقة الخاصة" كافياً لوصف الوضع بين إسرائيل والولايات المتحدة. فبعد حرب استمرت سنتين ورغم الدعم الأمريكي بالسلاح والغطاء السياسي، وجدت تل أبيب نفسها مضطرة لقبول ترتيب جديد يتمثل في غرفة عمليات أمريكية على أراضيها.

تقوم هذه الغرفة بمراقبة وتنسيق، بل وإلغاء قرارات عسكرية إسرائيلية إذا رأت أنها تهدد الاتفاق الذي صاغه الرئيس دونالد ترامب. وقد أقامت الولايات المتحدة مركزاً للتنسيق المدني العسكري في مدينة "كريات غات"، يضم نحو 200 جندي أمريكي، وضباطاً بريطانيين وألمان، وربما أردنيين، مع رفع الأعلام وكتابة لافتات تحمل عبارة "خطة ترامب، ذات الـ20 بنداً".

يشرف المركز على كل شيء يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب في غزة، من إيصال المساعدات إلى مراقبة نزع سلاح حركة "حماس" والتأكد من التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار. هذا التحول أثار جدلاً داخلياً، وأصبح التدخل الأمريكي مرئياً ومحكماً للمرة الأولى.

ظهر مصطلح "بيبي سيتر" للإشارة إلى نتنياهو والرعاية الأمريكية له، أي أن واشنطن وضعت "مربياً" لضمان عدم "تفجير" الاتفاق. لكن الطرفين ينفيان هذا التوصيف، حيث يقول نتنياهو إن "إسرائيل ليست محمية"، ويؤكد نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، أنهم لا يراقبون إسرائيل كطفل.

المفارقة هي أن مجرد اضطرار الطرفين للرد على هذه الأسئلة يدل على أن النقاش تجاوز حدود الهامش. فالسؤال عما إذا كانت إسرائيل محمية أميركية يُطرح علناً الآن، ما يشير إلى أن التبعية العلنية بلغت مستوى لا يمكن تجاهله.

إسرائيل، التي بُنيت على أسطورة "الاستقلال المطلق"، لا تستطيع تقبل فكرة وجود جنرال أمريكي يقرر ما إذا كانت طائراتها ستقصف أم لا. والولايات المتحدة لا تريد أن تظهر كـ"وصي".

الحديث عن "المحمية الأمنية الأميركية" يظهر كلما اشتد الضغط الاستراتيجي الأميركي على إسرائيل، أو اقترب استحقاق انتخابي. وبالنسبة إلى السيادة الإسرائيلية، فحالها كحال الدول التابعة والمرتهنة في وجودها للآخرين.

في كل مرة تُفرض فيها قيود على حرية التصرف الإسرائيلي، يسارع بعض المسؤولين إلى إعلان "نهاية السيادة". ويستغل خصوم نتنياهو هذا الخطاب، حيث قال يائير لابيد إن نتنياهو حول إسرائيل إلى محمية تقبل الإملاءات، ووصف بني غانتس الوضع بأنه "استسلام استراتيجي باسم السيادة".

لكن وراء الخطاب الوطني دوافع سياسية، فجميع هؤلاء المنتفضين اعتمدوا على الدعم الأميركي. والاتهامات تأتي في وقت تستعد فيه إسرائيل لانتخابات محتملة، حيث يحاول كل طرف أن يظهر كـ"حارس للسيادة".

الانتقادات امتدت إلى داخل الائتلاف الحكومي، حيث هاجم آفي معوز نتنياهو ورضوخه للأميركيين، معتبراً أنه لا يعقل أن نتصرف فقط عندما يأذن لنا ترامب.

رغم الظروف التي تدفع الإسرائيليين للحديث عن تبعيتهم للأميركيين، لا يمكن إنكار أن إسرائيل ليست دولة محمية بالمعنى التقليدي، وإن كانت تعتمد على دعم أميركي مستمر. والمركز الأميركي في كريات غات ليس عقوبة على إسرائيل، بل منقذ لها.

يشكل المركز اعترافاً أميركياً بأن تل أبيب لم تعد قادرة على إدارة أزماتها الأمنية بمفردها. وقد جاء تشكيله بعد حرب لم تحقق أهدافها.

المركز لم يُفرض على إسرائيل، بل هي طلبته لأنها بحاجة إلى غطاء دولي. والجدل الدائر حالياً ليس على الواقع، بل على من يُلام على كشفه، وربما على من سيكسب الانتخابات المقبلة.

مشاركة المقال: