كشف تحقيق موسع نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" تفاصيل فرار كبار مسؤولي النظام السوري السابق بعد سقوط الرئيس بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024. وتتبع التحقيق مسارات هروب العشرات من الشخصيات الأمنية والعسكرية التي كانت تشكل العمود الفقري للنظام لسنوات.
وبحسب التحقيق الذي نشر يوم الخميس 16 تشرين الأول/أكتوبر، بدأت عملية الهروب بعد منتصف ليل 8 كانون الأول/ديسمبر، عندما أقلعت طائرة صغيرة من مطار دمشق الدولي تقل عددًا من كبار القادة إلى قاعدة "حميميم" الروسية، بعد ساعات من فرار الأسد نفسه إلى موسكو.
وكان من بين الركاب قحطان خليل، مدير المخابرات الجوية، ووزيرا الدفاع السابقان علي عباس وعلي أيوب، ورئيس الأركان عبد الكريم إبراهيم، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين، وجميعهم واجهوا اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.
وذكرت الصحيفة أن انهيار النظام كان مفاجئًا حتى لكبار مساعدي الأسد، الذين أدركوا رحيله بعد فوات الأوان، ليتبعوه في سباق محموم نحو الهروب. ولجأ بعضهم إلى السفارة الروسية في دمشق قبل نقلهم لاحقًا إلى موسكو، بينما غادر آخرون بسيارات فارهة أو على متن قوارب سريعة من الساحل السوري.
وأشارت الصحيفة إلى أن فريقها الصحفي عمل لأشهر على تعقب 55 من مسؤولي النظام، مستخدمًا وسائل تتبع رقمية ومقابلات مع مسؤولين سابقين ومحامين سوريين وهيئات تحقيق دولية. وتبين أن مصائرهم تفرقت بين روسيا ولبنان وإيران، بينما بقي بعضهم داخل سوريا بصفقات سرية مع الحكومة الجديدة.
ومن بين الأسماء البارزة التي تناولها التحقيق ماهر الأسد، الذي يعيش حياة منفى فاخرة في موسكو، وعمرو الأرمنازي، مدير مركز البحوث العلمية الذي لا يزال في دمشق، إضافة إلى كمال الحسن وسهيل الحسن اللذين نسقا مع ضباط فارين من موسكو ولبنان الهجمات الأخيرة التي قام بها "فلول النظام" في الساحل السوري في آذار/مارس الماضي.
كما كشف التحقيق عن فرار اللواء حسام لوقا بعد سرقة مبالغ مالية من مقر المخابرات العامة، ولجوء علي مملوك إلى السفارة الروسية بعد نجاته من كمين مسلح.
ويظهر التحقيق أن العديد من مسؤولي النظام استطاعوا الحصول على جوازات سفر بأسماء مزورة أو عبر شراء جنسيات أجنبية لتأمين هروبهم. فيما تعمل السلطات الجديدة في دمشق، بالتعاون مع محققين دوليين ومنظمات حقوقية سورية، على تعقب هؤلاء تمهيدًا لمحاسبتهم على "أسوأ الجرائم التي ترعاها دولة في هذا القرن"، بحسب الصحيفة.
وكشفت وكالة "رويترز" في تحقيق نشرته في 17 نيسان/أبريل الماضي، كيف قام رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد بتهريب الأموال والمقتنيات الثمينة والوثائق السرية قبل سقوطه.
وذكرت "رويترز" تفاصيل تهريب الأسد للأموال والمقتنيات الثمينة والوثائق السرية، نقلًا عن 14 مصدرًا سوريًا مطلعًا على الخطة، من بينهم موظفون في المطار، وضباط سابقون في المخابرات والحرس الرئاسي، وشخص من داخل شبكة أعمال الأسد.
وقام يسار إبراهيم، المستشار الاقتصادي للأسد، بترتيب استئجار طائرة لنقل أصول الأسد الثمينة وأقاربه ومساعديه وموظفي القصر الرئاسي إلى الإمارات على متن أربع رحلات، وفق "رويترز".
وقامت طائرة "إمبراير ليجاسي 600" من طراز "C5-SKY"، المسجلة في غامبيا، بأربع رحلات متتالية إلى سوريا خلال 48 ساعة قبل سقوط النظام، وفقًا لمراجعة "رويترز" لسجلات تتبع الرحلات الجوية.
وفي 6 كانون الأول/ديسمبر 2024، وبينما كانت إدارة العمليات العسكرية تزحف نحو العاصمة دمشق، اقتربت طائرة "إمبراير ليجاسي 600" ذات 13 مقعدًا من مطار دمشق الدولي. وتم حشد أكثر من 12 عنصرًا بزيّ مموه من المخابرات الجوية السورية، لحراسة قاعة الاحتفالات، وقسم كبار الشخصيات في المطار، وممر الوصول إليه.
وأفاد ثلاثة أشخاص كانوا في المطار، أن عددًا قليلًا من السيارات المدنية ذات النوافذ المظللة اقتربت من المنطقة، مشيرين إلى أن السيارات كانت تابعة للحرس الجمهوري، المكلف بحماية الأسد والقصر الرئاسي. وأبلغ رئيس أمن مطار دمشق، العميد غدير علي، موظفي المطار أن عناصر من المخابرات الجوية سيتعاملون مع الطائرة، بحسب محمد قيروط، رئيس العمليات الأرضية في الخطوط الجوية السورية. وقال ثلاثة مسؤولين سوريين في المطار وضابط استخبارات سابق، إن غدير علي، وهو ضابط كبير في المخابرات الجوية، كان يتلقى الأوامر مباشرة من القصر الرئاسي.