أصدرت منظمات مدنية سورية ورقة مشتركة تعترض على قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الذي يلزم المنظمات غير الحكومية بالحصول على موافقة مسبقة من الوزارة قبل تلقي أي تمويل خارجي.
سناك سوري _ خاص
لطالما شكل المجتمع المدني السوري، على مدى السنوات الـ 14 الماضية، دعامة اجتماعية وحماية مدنية للمواطنين، من خلال تقديم خدمات إنسانية وإغاثية لملايين السوريين. وهو يعتبر الجهة الرئيسية المعتمدة حاليًا من قبل المجتمع الدولي لتلقي الدعم المالي بهدف تقديم المساعدة للسوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر. وتؤكد المنظمات على عدم استعدادها لأي عقبات تعرقل وصول المساعدات إليهم أو تزعزع الثقة بين المانحين الدوليين والسلطات السورية بسبب إجراءات استثنائية.
أعربت المنظمات الموقعة على الورقة عن خيبة أملها العميقة إزاء قرار وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووصفته بأنه يستند إلى قانون "تقييدي"، مشيرة إلى تعارضه مع المادة 14 من الإعلان الدستوري التي تكفل حرية تكوين الجمعيات والنقابات، والمادة 12 من الإعلان الدستوري المتعلقة بالتزام سوريا بالمعاهدات والمواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها.
كتاب الوزارة الصادر في مطلع تشرين الأول الجاري دعا مديريات الشؤون الاجتماعية والعمل في المحافظات إلى تعميم على كافة المنظمات غير الحكومية للتقيد بأحكام قانون الجمعيات رقم 93 لعام 1958، ولا سيما المادة 21 التي تمنع تسلم أي أموال من شخص أو جمعية أو هيئة أو ناد خارج سوريا، إلا بإذن الجهة الإدارية المختصة. كما طالب التعميم بضرورة التقيد بالمادة 66 التي تحظر قبول الهدايا أو الهبات إلا بإذن الجهة الإدارية المختصة.
في المقابل، اعترضت المنظمات المدنية على التعميم، معتبرة أن القانون 93 الذي أقر خلال فترة الوحدة مع "مصر" عام 1958 يعد قانونًا تقييديًا، ومن شأنه أن يعيق مساهمة المنظمات غير الحكومية في خطوات التعافي في المرحلة الانتقالية. وأشار الموقعون على الورقة إلى أن شبكة المنظمات غير الحكومية التي يطالها تقييد الوزارة، عملت لسنوات على تقديم خدماتها بالاعتماد على مانحين دوليين من خارج سوريا أو مانحين سوريين مقيمين في الخارج، واعتبروا أن إلزام المنظمات بإبلاغ الحكومة عن مصادر تمويلها يشكل تهديدًا مباشرًا لاستقلالها الوظيفي وقد يستخدم كذريعة لإسكات الأصوات الناقدة أو المعارضة، ويعد انتهاكًا لحرية تكوين الجمعيات بما يخالف العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي يدعو لاتخاذ خطوات تمكن الجمعيات من الحصول على الموارد المتاحة من المجتمع الدولي.
واختتم الموقعون على الورقة المشتركة بجملة توصيات أولها تعليق العمل بالمواد المقيدة في القانون 93 لعام 1958 لا سيما المتعلقة بالحصول على موافقات مسبقة، والعمل مع المجتمع المدني على إصدار قانون جديد للجمعيات. إضافة إلى تنظيم العلاقة بين السلطة والمنظمات غير الحكومية عبر وزارة الشؤون الاجتماعية بصفتها جهة تنسيق مدنية، دون المساس باستقلال الجمعيات أو إخضاعها لإشراف أمني، وإنهاء العمل بنظام الموافقة المسبقة، والسماح للجمعيات بعقد علاقات مع جمعيات غيرها تعمل في مجالات تتصل بمجال عملها على المستويات المحلية والوطنية والدولية، وتخفيف القيود المفروضة على التمويل، والسماح للجمعيات بتلقي الدعم الوطني والدولي، وتسهيل إجراءات التسجيل والإشهار قبل صدور قانون الجمعيات الجديد.
الورقة المشتركة حملت توقيع منظمات "العدالة من أجل الحياة"، "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، "المركز السوري للعدالة والمساءلة"، "دولتي"، "بدائل". ومنذ سنوات طويلة يطالب العاملون في المجال المدني بإصدار قانون عصري للمنظمات غير الحكومية، بعد مرور 67 عاماً على قانون الجمعيات المعمول به حالياً وعدم ملاءمته للتطورات التي طرأت على المجتمع ولا احتياجات المرحلة، فضلاً عمّا يحتويه من إجراءات تقييدية مشدّدة وأنظمة رقابية وأمنية على عمل الجمعيات.
يذكر أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل عقدت في نيسان الماضي ورشة عمل بعنوان "مقدمات أولية لتطوير قانون المنظمات غير الحكومية" وقالت الوزيرة "هند قبوات" حينها أن الورشة دليل على أن العمل الحالي يتركز على بناء دولة جديدة بالشراكة مع جميع الجهات الحكومية والمجتمع المدني للوصول إلى دولة واحدة قوية، مضيفةً أن الحوار مفتوح بين الوزارة والمنظمات غير الحكومية لبناء سوريا الحرة التي يطمح إلى بنائها الشعب السوري.