الخميس, 16 أكتوبر 2025 02:30 AM

حملة "السويداء منا وفينا": جدل واسع حول المصالحة وإعادة الإعمار في المحافظة

حملة "السويداء منا وفينا": جدل واسع حول المصالحة وإعادة الإعمار في المحافظة

أثارت حملة "السويداء منا وفينا" جدلاً واسعاً وتفاعلاً كبيراً على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا. انقسم السوريون بين مؤيدين يرون فيها خطوة نحو تجاوز أزمة تموز الماضي، ومعارضين يعتبرونها مجرد تجميل للوضع السابق. بعد انطلاق الحملة في 12 تشرين الأول، تزايدت التساؤلات حول قدرة الدولة السورية على تحقيق مصالحة مجتمعية حقيقية، في ظل الجهود المستمرة لإعادة دمج محافظة السويداء في الدولة وتجاوز التداعيات الأمنية والاجتماعية.

دعوات حكومية للتفاعل مع الحملة

دعا الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال اجتماع مع الوزراء والمحافظين في 12 تشرين الأول، إلى التبرع بسخاء في حملة "السويداء منا وفينا". واعتبر أن التبرع "قد يرمم بعض الجرح بين السويداء وباقي المحافظات، ويعبر عن أن السويداء من الوطن"، مؤكداً أن "السويداء منا وفينا كما هو مرفوع في هذا الشعار".

وفي ختام الحملة التي جمعت 14.6 مليون دولار، صرح وزير الطوارئ والكوارث، رائد الصالح، بأنها "امتداد لأصالة الشعب السوري وحضارته، وامتداد لحملات كرم وعطاء الشعب السوري لدعم بناء بلده من جديد". وأكد تمسك الحكومة السورية بإعادة رسم وحدة الشعب بمختلف مكوناته.

وقال القيادي السابق في "قوات شيخ الكرامة"، ليث البلعوس، إن رسالة الشعب السوري لأهالي السويداء هي أن السويداء "منا وفينا"، مؤكداً الموقف الوطني لأهل السويداء وأنه لا وطن بديلاً لهم عن سوريا. وأوضح أن العمل جارٍ لإعادة المهجرين إلى بيوتهم.

أشار محافظ السويداء، مصطفى البكور، إلى أن الحملة ستشمل ترميم آبار المياه، و50 مدرسة، و35 مسجدًا، و50 دار عبادة للطائفة الدرزية، إضافة إلى 15 كنيسة، وتأهيل نحو 20 ألف منزل، و40 بلدية، ومراكز ثقافية، وشوارع، وشبكات الإنارة والكهرباء، وتجهيز محطة سمعية لتقوية الخدمات العامة. واعتبر أن تدهور الخدمات ليس نتيجة تقصير من الدولة، بل يعود إلى مواقف داخلية اتخذتها بعض الأطراف المحلية، مؤكداً أن الحملة تسعى لتجاوز هذه العقبات وتحسين جودة الحياة للمواطنين.

بينما تسيطر الفصائل المحلية بقيادة الشيخ حكمت الهجري على مركز المحافظة وبعض أريافها، تسيطر القوات الحكومية على ريفها الغربي.

شارك في الحملة وزير الصحة مصعب العلي، ومحافظ درعا أنور الزعبي، ومدير الملف الأمني في محافظة السويداء سليمان عبد الباقي، ومستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية أحمد موفق زيدان، وسفير قطر في سوريا، خليفة عبد الله آل محمود، وممثل عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وعدد من وجهاء العشائر العربية في السويداء.

فجوة و"ثقة مهزوزة"

عبر سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي عن استيائهم من الحملة لأسباب مختلفة. رأى الصحفي السوري حمزة عباس في منشور على "فيسبوك" أن "الحضور الخجول" من بعض أبناء السويداء، خاصة من مناطق جرمانا وأشرفية صحنايا، أظهر "حجم الفجوة بين مكونات الوطن". واعتبر أن هذا الغياب يعني "عدم الرضا أو اللامبالاة" تجاه أي "فعل وطني جامع"، في وقت الحاجة إلى كل خطوة تعيد لم الجراح وترمم ما تهدم.

وتابع: "لقد وقعت أخطاء كثيرة في الماضي، ولا أحد ينكر ذلك، لكن هل يعقل أن نستمر في الخطأ إلى ما لا نهاية؟ وهل يحمل هم الوطن فئة واحدة من المجتمع؟"، معتبراً أن الخطأ يحتاج إلى تصويب وتصحيح بمبادرات "نابعة من السوريين أنفسهم". واعتبر أن "من المؤسف" أن يكون تمثيل أبناء السويداء في مثل هذه المبادرات "ضعيفًا"، وأن الموقف الحقيقي يقاس بمدى المشاركة في العمل لا بالكلام فقط. ورأى أن غياب المبادرات الفعلية من أهل السويداء سيعقد المشهد ويجعل الفجوة أكبر، مضيفًا أن "الصمت ليس دائمًا جزءًا من حل أي مشكلة، وعليكم أن تتحركوا وتعملوا لأن الوطن للجميع".

وصفت صحفية وناشطة من السويداء، رفضت نشر اسمها لأسباب أمنية، انطباع أهالي السويداء عن الحملة بأنه "سيئ جدًا". وقالت إن الأهالي يرون "أنه بينما الحكومة تحاصرهم، فإنها تقدم وجهًا جديدًا للإعلام من خلال ترويج أن الحكومة تساعد من في السويداء". ونفت الحكومة السورية ومحافظ السويداء مرارًا تهمة "حصار السويداء"، مؤكدين دخول قوافل المساعدات إلى المحافظة. وأشارت الصحفية إلى أن أهالي السويداء "يرفضون كل شيء من الحكومة، دون أن يفتحوا مجالًا للصلح"، معتبرة أن ثقتهم "مهزوزة" بالحكومة بسبب ما وصفته بـ"مجازر بحقهم". ومما زاد استياء الأهالي أن مكان إقامة حملة التبرعات كان مكانًا لـ"إقامة الجنائز". وأضافت أن ما يطلبه أهالي السويداء هو "الأمان فقط"، قائلة "إن ثقة الناس في الحكومة قد اهتزت لدرجة أنه إذا أراد أحدهم الذهاب لدمشق عليه أن يكتب وصيته".

في مؤتمر صحفي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك، أعلن الشيباني التوصل إلى خارطة طريق "تكفل الحقوق وتدعم العدالة وتعزز الصلح المجتمعي وتفتح الطريق أمام تضميد الجراح". وأكدت الدول الثلاث التزامها بالعمل المشترك من أجل استقرار سوريا ووحدتها وسيادتها، ودعم عملية سياسية "شاملة بقيادة سورية" تضمن مشاركة كل المكونات وتعكس التعددية الاجتماعية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف، وإنهاء الانقسامات المجتمعية.

الاعتراف بالخطأ أولى الخطوات

كان واضحًا أن ملف السويداء سيكون من "أعقد الملفات" التي ستواجه السلطة الجديدة في دمشق، وفق الباحث والكاتب السوري أحمد عسيلي. واعتبر أن الرهان كان على "سياسة النفس الطويل" التي اتبعتها السلطة بتعاملها مع تعقيدات الوضع في السويداء، خاصة مع قبول الجيش للانسحاب منها في البداية. ووفق قوله، فقد جرى خرق هذه السياسة "بعد دخول الفصائل وفزعة العشائر"، ومن ثم ارتكاب ما سماها "الفظائع" من الطرفين، لتبدأ حالة الاصطفاف المستمرة منذ حوالي ثلاثة أشهر وإلى الآن. ويرى أن "حملة السويداء منا وفينا" شكلت "حالة كسر لهذا الاصطفاف"، وشبهها بأنها كـ"وضع مخدر على جرح نازف، ربما يخفف الألم لكنه لن يشفي الجراح من الطرفين"، مشيرًا إلى أن أولى الخطوات هي اعتراف الطرفين بالخطأ. ولا يكفي اعتراف طرف واحد كي تتحقق المصالحة، فـ"الخطف والتشريد والقتل جرى من جميع الأطراف".

وأضاف: "أعرف أن الظروف الحالية غير مواتية لخطوة كهذه، لذلك نحن مضطرون لدعوة الجميع للصبر وترك الزمن يحل الجزء الأكبر من الألم". عسيلي غير متفائل "على الأقل حاليًا" بـ"قدرتنا على القيام بالمهمة الأصعب، ألا وهي الاعتراف والمحاسبة". لذلك الأهم هو القيام بـ"خطوات صغيرة وتدريجية" مثل:

  • السماح للطلاب بالالتحاق بمدارسهم وامتحاناتهم مع تأمين الحماية التامة لهم.
  • مبادرات مجتمعية أخرى لكسر هذا الجمود والتصلب.

واعتبر أن "العدمية" هي الحالة الأخطر على الوضع حاليًا. ويرى أن هذه الحملات ستواجه بالكثير من "المشككين والمنتقدين، والمتطرفين الرافضين لأي صلح"، لكن مع تعدد المبادرات وقيامها بخطوات حقيقية وملموسة على الأرض سيخفف هذه الانتقادات. ويرى الكاتب أن هذه الحملة "جيدة لكن كبداية فقط"، مشددًا على ضرورة إتباعها بالكثير من الحملات الأخرى وأن تكون ذا تأثير ملموس على الأرض، مضيفًا: "يجب أن يتحمل ويتقبل أصحاب تلك الحملات الانتقادات كونها جزءًا طبيعيًا من هذا العمل".

أحداث السويداء

بدأت أحداث السويداء في 12 تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة. تدخلت الحكومة السورية في 14 تموز لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية. في 16 تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل "فزعات عشائرية" نصرة لهم. وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.

مشاركة المقال: