الأحد, 12 أكتوبر 2025 06:34 PM

الإعلام السوري في ظل الانقسام المجتمعي: هل هو الإعلام الذي نحتاجه حقًا؟

الإعلام السوري في ظل الانقسام المجتمعي: هل هو الإعلام الذي نحتاجه حقًا؟

في الأسبوع الماضي، قادني فضولي إلى تصفح إحدى الصحف الرسمية السورية. ولولا رغبتي في تحليل المحتوى المنشور، لتوقفت عند العناوين والمقدمات. لا أريد تحديد اسم الصحيفة، لأنني لاحظت نمطًا مشابهًا في أكثر من وسيلة إعلامية، مع التحفظ على التعميم. الأمر يتجاوز ذلك إلى فهم كيفية إدارة هذه الوسائل الإعلامية، وما الذي يبحث عنه الجمهور، وما إذا كانت السياسات التحريرية تدرك خطورة المرحلة.

يثير هذا سؤالًا محرجًا: هل الهدف هو إثبات نجاح إدارة منظومة إعلام رسمية، أم تقديم محتوى يلبي احتياجات بلد مدمر ومنقسم سياسيًا، تتلاعب به الهواجس الداخلية والتطلعات الخارجية؟ من حيث المبدأ، أي إنفاق بلا تخطيط هو هدر مضاعف، تتجاوز خسائره المال، وتدفع البلاد ثمنه لاحقًا. والخسارة الأكبر هي نفور الجمهور، حتى لو اعتقد المسؤولون أنهم يكسبون جمهورًا يراهنون عليه.

حافظت غرف الأخبار في وسائل إعلام كبيرة على حضورها وتأثيرها النسبي حتى في بيئات الاستقطاب، لأنها تدار بخطط واضحة من قبل كوادر متمرسة تفهم اللغة الرقمية دون التضحية بالمعايير التحريرية، وتبني جسور ثقة مع الجمهور، حتى وإن تعرضت للانتقاد. فالجمهور يعود للثقة، لا للإعلام.

تظهر الاستطلاعات الحديثة، مثل مؤشر إدلمان للثقة (Edelman Trust Barometer 2024)، أن الجمهور لا يفقد الثقة بالإعلام كمفهوم، بل بالإدارة التي لا تعرف كيف تحافظ على توازنه. أكثر من 60% من المستطلعين عالميًا يشككون في حياد المؤسسات الإعلامية، ويبحثون عن وسائل إعلام تغطي هذا الاحتياج عبر منصات أكثر مهنية. الثقة تغيرت، والمؤسسات التي لا تدرك هذا التحول تفقد مكانها، حتى وإن استمرت في العمل. هذا ما أقصده بالهدر والخسارة المركبة.

يقاس أثر الإعلام في الأزمات بقدرته على تهدئة أو توجيه النقاش العام، لا بعدد المشاهدات. هذا مؤشر خطير يجب أن يتنبه له المديرون وصناع السياسات في الدول الهشة والساعين إلى رأب الصدع بين المجتمعات المحلية.

دعني أسوق مثالين: تشير دراسة حول "راديو الكراهية" (RTLM) في رواندا إلى أن القرى الأكثر تعرضًا للبث التحريضي خلال أحداث عام 1994 شهدت مشاركة أعلى في العنف بنسبة 10 إلى 14%. أما القرى الأقل تعرضًا، أو تلك التي كانت فيها وسائل إعلام مستقلة أو مهنية فاعلة، فشهدت انخفاضًا في التحريض بنسبة 20-30%، ما يشير إلى أثر الإعلام المهني في كبح التحريض، وفقًا للدراسة التي حملت عنوان "الدعاية والصراع: أدلة من الإبادة الجماعية في رواندا"، ونشرت في المجلة الفصلية للاقتصاد (The Quarterly Journal of Economics).

في يوغوسلافيا السابقة، أظهرت التقييمات أن وسائل الإعلام التي خضعت لإصلاح مهني بعد الحرب تمكنت من خفض محتوى الكراهية بنحو الثلث مقارنة بما قبل التدخل.

إذًا، ماذا يعني تقديم خطاب لا يتسق مع الهدف، بقدر اعتقادك بأنه يحقق أهداف السلطة، في حين أن السلطة ذاتها تعاني لتحقيق الاستقرار ومحاربة الكراهية؟ وماذا يعني أن تركز عناوينك ومحتواك على رواية "خالية الدسم"، حسب اعتقادك، هربًا من المسؤولية، أو جراء ضعف الخبرة في مواجهة تحديات لا بد منها، حتى يشعر الجميع بأن هذا إعلامهم، ثم يتأثروا وتتغير توجهاتهم؟

دائمًا، وخصوصًا عند الأزمات السياسية الاجتماعية المركبة، لا يكون الإعلام مجرد وسيط ناقل للأخبار، بل أداة لإدارة الوعي العام وتوجيهه. إدارة وسيلة إعلامية في بيئة منقسمة سياسيًا تتطلب معرفة بالمهنة وحدودها، والسياسة ومتطلباتها. إذا لم تتوفر عناصر المهنية والخبرة والحس التحريري والوعي السياسي، يصبح الإعلام مثل "طبخة بحص"، تؤدي مصلحة تتعلق بإثبات أنها موجودة لا بدورها، وشيئًا فشيئًا، مع نقص الخبرة وأخطاء المضمون والابتعاد عن الهدف، يتحول الإعلام إلى طرف في النزاع بدل أن يكون مساحة للنقاش العام تخفف الضغط وتشعر الجمهور بأنه ممثل فيها.

ليس المطلوب من الإعلام في سوريا أو أي دولة في العالم أن يتحول إلى منصة سياسية جديدة، لأن هناك من يقوم بهذا الدور. وعندما يفعل الإعلام ذلك، بوعي أو دون وعي، يفقد دوره كوسيط موضوعي بين الدولة والمجتمع، ويتحول إلى منصة سياسية جديدة، وعندها لن يتجاوز عدد جمهوره أولئك الذي يكتبون فيه إضافة إلى عدد من المسؤولين الذين ينظرون في مرآتهم فقط.

ما سبق هو الظرف المناسب لإنتاج واستمرار الخطاب المتوتر والانقسام، وذهاب الإعلام بعيدًا عن دوره الوقائي في تهدئة النزاعات، أو شرح السياقات وتفسير طبيعة الأحداث دون أدلجتها أو خلطها بتوجه سياسي.

بالعودة إلى ما قرأته في تلك الصحيفة الرسمية، أجدني مضطرًا للقول، هذه مجلة حائط.. وللحديث بقية.

مشاركة المقال: