الإثنين, 6 أكتوبر 2025 01:07 PM

تصاعد العنف في سوريا: هل هي صراعات طائفية أم مؤامرات سياسية؟

تصاعد العنف في سوريا: هل هي صراعات طائفية أم مؤامرات سياسية؟

عنب بلدي – عمر علاء الدين

شهدت سوريا خلال الأيام الثلاثة الماضية سلسلة من جرائم القتل المتنقلة، بدءًا من طرطوس على الساحل السوري، وصولًا إلى جريمتين في ريف حماة، وجريمة في قرية عناز بوادي النصارى في ريف حمص الغربي. أثارت هذه الجرائم المتتالية استياءً واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط اتهامات للدولة السورية بالتراخي في ضبط السلاح المنفلت والتغاضي عن هذه الحوادث "لأسباب طائفية". إلا أن الدولة نفت هذه الاتهامات وأكدت أن أجهزتها الأمنية باشرت التحقيق وملاحقة الفاعلين.

في المقابل، أشارت بعض الآراء إلى وجود جهات مرتبطة بفلول النظام السابق أو بدول خارجية تسعى إلى ضرب السلم الأهلي في سوريا والتشويش على عملية انتخابات مجلس الشعب، باعتبارها أول عملية تشريعية بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024. تحاول عنب بلدي من خلال هذا التقرير استجلاء أسباب هذه الأحداث وتداعياتها، مع الإجابة عن أسئلة تتعلق بالسلاح المنفلت والسلم الأهلي، واحتمالية وجود أطراف خارجية تحاول اللعب على أوتار الطائفية في سوريا.

بداية الأحداث

بدأت الأحداث بمقتل أربعة أشخاص على يد مجهولين في قرية جدرين بريف حماة الجنوبي، خلال عودتهم من العمل. وعلى إثر ذلك، أعلن مدير الأمن الداخلي في حماة، العميد ملهم شنتوت، القبض على منفذي العملية في 30 من أيلول الماضي. وفي مساء اليوم نفسه، وقعت جريمة أخرى في قرية حيالين بريف حماة الغربي، حيث قتل ثلاثة أشقاء على يد مجموعة أشخاص ادعوا أنهم تابعون لجهة أمنية.

وفي فجر 1 من تشرين الأول الحالي، قُتل المرشح لعضوية مجلس الشعب، الدكتور حيدر شاهين، داخل منزله في قرية ميعار شاكر بريف طرطوس، بعد أن أطلق عليه شخص ملثم الرصاص. وفي مساء اليوم نفسه، أفاد مراسل عنب بلدي بمقتل شخصين وإصابة ثالث في قرية عناز بوادي النصارى في ريف حمص الغربي، على يد ملثمين مجهولي الهوية. وأشار المراسل إلى أن الجريمة نفذها ملثمان يستقلان دراجة نارية، واستهدفا وسام منصور وشفيق جورج منصور، أمام مكتب المختار في القرية، ولاذ الجناة بالفرار بعد العملية على الفور.

مديرية الأمن الداخلي في منطقة سهل الغاب في ريف حماة 24 أيلول 2025 (محافظة حماة)

نظرة على الأحداث الأخيرة

بالنسبة لما حدث في حيالين بريف حماة الغربي، قال مصدر أمني لعنب بلدي إنه يجري استغلال الحادثة للترويج بأن الدولة مسؤولة عما يجري، نافيًا ما يتم تداوله بأن "الجناة" كانوا يرتدون أزياء تشبه أزياء الأمن العام، مشيرًا إلى أن الجهات المختصة تحركت فور ورود بلاغ بالحادث. كما نفى مدير مديرية الأمن الداخلي في سهل الغاب، خالد مردغاني، في حديث إلى عنب بلدي، ما يتم تداوله عبر بعض الصفحات والمواقع حول وجود خلفيات طائفية أو صلات حكومية بالجريمة التي وقعت في القرية.

من جهته، أشار ناشط صحفي من ريف حماة، تحفظ على نشر اسمه لأسباب أمنية، إلى أن القتلى تعرضوا لعملية تصفية بالرصاص، بعد أن اقتادهم عدة أشخاص إلى مكان مجهول ووجدوا في صباح اليوم التالي مقتولين. وبحسب معلومات الناشط، فإن الأوضاع متوترة في تلك المنطقة جراء عمليات التصفية والقتل المنتشرة فيها، وفق ما سمّاه "العنف الطائفي".

وتصاعد المشهد من خلال ما جرى في قرية عناز بوادي النصارى بريف حمص الغربي، حيث هاجم ملثمون ثلاثة أشخاص في القرية، فقُتل اثنان وأصيب الثالث. وقالت الناشطة "م. ط." من قرية عناز لعنب بلدي إن هناك حساسية منذ زمن بين أهل قلعة الحصن والحواش وعناز (قرى في وادي النصارى ومحيطه) جراء ما جرى خلال الثورة، حيث كان هناك عدد كبير من شبان الوادي ضمن صفوف النظام السابق، وفي المقابل كانت القلعة في صف الثورة، وجرت انتهاكات متبادلة بين الطرفين في السابق.

ورفض أهل قرية الحصن في بيان "الزج باسم قلعة الحصن أو أبنائها في مثل هذه الأعمال التي لا تمتّ لأخلاقنا وقيمنا وتاريخنا المشترك مع جيراننا في وادي النصارى بصلة". واعتبر المجلس أن هذا العمل "الشنيع" لا يقوم به إلا من سماهم بـ"الفلول" (فلول النظام السابق) في محاولة واضحة لـ"تخريب أجواء الانتخابات" (انتخابات مجلس الشعب) و"تعكير السلم الأهلي" و"زرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد".

وأكد ثلاثة مصادر من ريف حمص الغربي، هم صحفيان ومحامٍ، لعنب بلدي أن أحد القتلى كان متعاونًا مع ميليشيا "الدفاع الوطني" التي تزعمها بشر يازجي، مستشار رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد. وقال المحامي إن الفترة الأخيرة شهدت إجراء "تسويات مشبوهة" لعدد من المتورطين بانتهاكات ضد السوريين في ريف حمص الغربي، وتحديدًا في قرية قلعة الحصن، وكان أحد القتلى، في قرية عناز، من بينهم، متسائلًا: "ما ذنب أهل وادي النصارى الآمنين المطمئنين، أن يدفعوا ثمن تسوية لا شأن لهم بها؟".

وأكد صحفي من قرية قلعة الحصن رواية المحامي، واتهم بشر يازجي ومجموعته بأنهم مسؤولون عن اختفاء ما يقرب من 112 طفل وامرأة، خلال النصف الأول من عام 2014، إضافة إلى قتل أكثر من 700 شخص بين عامي 2012 و2014.

حصر السلاح لا مساومة فيه

أكد مدير الأمن الداخلي في منطقة تل كلخ التي تتبع لها قرى وادي النصارى، محمد أكرم وليد أبو الخير، في حديث إلى عنب بلدي أن السلاح حصرًا بيد الدولة وهذا قرار رئاسي "لا مساومة فيه". وأشار إلى أن "هذا واقع لكل من عاش معنا منذ بداية التحرير" وشاهد وسمع بالحملات الأمنية ضد الأفراد الذين يروعون الأهالي، على سبيل المثال، خلال "إطلاق الأعيرة النارية بالمناسبات".

وأشار أبو الخير إلى احتمالية أن من قام بـ"الغدر" هم من سماهم بـ"فلول النظام"، إذ إن لدى المديرية أدلة وإثباتات على مساعي فلول النظام لجر المنطقة إلى حالة عدم استقرار أمني. وقال إن هناك أشخاصًا "ثبت لدينا تواصلهم مع فلول النظام، آخرهم المدعو ميلاد فرخ". ورجّح أبو الخير احتمالًا آخر، وهو أن ما حدث هو "إجراء انتقامي"، لأن المدعو وسام منصور (أحد القتلى في حادثة قرية عناز) كان منضمًا للمدعو عدنان اللاظ المتورط بجرائم قتل واغتصاب واختفاء قسري، ومتزعم لمجموعة، إضافة إلى أنه كان متزعمًا لحاجز مسؤول عن فقدان عائلات من المنطقة، خلال حصار النظام السوري السابق لها.

وأكد أبو الخير أن الجهات المختصة باشرت فورًا باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطويق المنطقة، ومتابعة مجريات الحادث، والعمل على "ضبط الجناة وتقديمهم إلى العدالة". ودعا مدير أمن تل كلخ المواطنين إلى التحلي بالهدوء، وتجنب الانجرار وراء الشائعات أو الاستفزازات، مع استمرار التحقيقات بـ"دقة وحرص لكشف جميع ملابسات الحادث" وضمان إحالة كل من "يثبت تورطه إلى القضاء المختص لينال الجزاء العادل".

دوافع ومؤشرات

غالبًا ما يتجه التركيز الإعلامي والأمني نحو أرياف حمص وحماة واللاذقية، ليس لأنها الوحيدة التي تشهد هذه الجرائم، كبقية المناطق السورية، بل بسبب ما تحمله من تنوع طائفي ومذهبي يجعل أي حادثة فيها قابلة للتأويل على أنها جزء من صراع أوسع، وفق رؤية الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع" معتز السيد.

هذا التنوع، إلى جانب هشاشة الوضع الأمني، يضفي على الجرائم في تلك المناطق أبعادًا تتجاوز طابعها الفردي أو المحلي، ويجعلها محط أنظار المراقبين والفاعلين السياسيين على حد سواء. وفي حديثه إلى عنب بلدي، اعتبر السيد أنه رغم الطابع الطائفي الذي تأخذه الجرائم في ظاهرها، فإن "القراءة الأعمق" تشير إلى أن "البعد السياسي" هو الأكثر حضورًا. فأغلبية المستهدفين، وفق الباحث، هم من "المتورطين سابقًا مع أجهزة النظام الأمنية"، بغض النظر عن انتمائهم الطائفي أو المناطقي.

ومع ذلك، يرى الباحث أن "الطائفة العلوية" هي التي تبرز في المشهد بحكم أنها شكّلت سابقًا العمود الفقري للأذرع الأمنية لنظام الأسد، ما يجعلها في واجهة الاستهداف، مستبعدًا النظر إلى أحداث الساحل أو السويداء بمنظور طائفي، معتبرًا أن قراءة الكثير من الباحثين رجحت البعد السياسي كمحرك لـ"الفزعات".

وأشار الباحث السوري إلى وجود مؤشرات على أن بعض الجرائم قد تكون مرتبطة بـ"فلول" النظام السابق، أصحاب الخبرة الأمنية أو العسكرية، وربما يتلقون دعمًا أو توجيهًا من جهات خارجية، لكن تلك الأنشطة تبدو "محدودة النطاق". واعتبر السيد أن من يسعى لخلق فوضى عادة ما يستهدف المدن الكبرى، ذات الكثافة السكانية والتأثير السياسي، وليس الأرياف، على غرار ما فعل تنظيم "الدولة" عندما استهدف كنيسة في دمشق.

وإلى جانب البعد السياسي، يظل انتشار السلاح الفردي عاملًا مضاعفًا للخطر، وفق السيد. ويعتقد الباحث أن السلاح المنفلت لا يقتصر أثره على الصراعات ذات الطابع السياسي أو الطائفي، إنما يتعدى لجرائم بدوافع شخصية أو جنائية بحتة، وهذا الواقع يجعل أي خلاف صغير مرشحًا للتحول إلى "مواجهة دامية".

ولخص الباحث السوري معتز السيد ما جرى ضمن ثلاثة محاور رئيسة:

  • دوافع اقتصادية: الفقر المدقع نتيجة الوضع الاقتصادي العام للبلاد، وانهيار الزراعة في تلك المناطق دفع السكان إلى سبل عيش غير مشروعة، فيما تحولت بعض المناطق إلى ممرات للتهريب وتجارة المخدرات (مثل الممرات بين ريف حمص ولبنان)، إضافة إلى الخطف والابتزاز.
  • دوافع اجتماعية: استمرار الثأر العائلي والطائفي، وغياب العدالة الانتقالية، وتنامي النزعة الفئوية التي تجعل أي حادثة قابلة للتحول إلى صراع جماعي خاصة مع موجات التحريض المتنامية على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • دوافع أمنية وسياسية وفساد: الفراغ الأمني، وضعف القضاء، وانتشار الرشوة والولاءات، ما سمح بالإفلات من العقاب وتفاقم الفوضى.

ويرى الباحث أنه يمكن الحد من هذه الجرائم والحوادث بإعادة بناء جهاز الأمن السوري بأقصى سرعة لبسط الاستقرار على كافة الأراضي السورية. وبالنسبة للمناطق ذات التنوع الطائفي، يقترح السيد صياغة مزيج متوازن، "جهاز أمن مركزي محترف وشرعي بعيد عن القمع والمحاباة، وشبكات أمنية محلية تمثيلية تكمل عمل الدولة وتستجيب لحاجات المواطنين". كما أن دمج كل جماعة سكانية في هذه النظم الأمنية يعد شرطًا حاسمًا للمصالحة الوطنية وبناء الثقة بين جميع المكونات والإدارة الجديدة، حسب تحليل ورؤية الباحث في "المركز السوري لدراسات الأمن والدفاع" معتز السيد.

ويمكن توصيف هذه الحوادث بأنها "فردية الطابع أكثر من كونها منظمة"، وفق السيد، إذ إن دوافعها كانت مرتبطة بالثأر الشخصي، ونتيجة الضغوط الاقتصادية، أو بسبب انتشار السلاح وغياب سلطة قضائية رادعة. وعلى الرغم من وجود مؤشرات على تحركات لـ"فلول النظام" أو ارتباطات ضيقة بأجندات خارجية، فإن حجم تلك العمليات وتأثيرها يبقيان محدودين ولا يرقَيان إلى مستوى العمل المنظم واسع النطاق، وفق ما قاله معتز السيد لعنب بلدي.

وبرأي الباحث، تبدو هذه الجرائم "انعكاسًا لفوضى أمنية عامة وانهيار منظومة العدالة" أكثر من اعتبارها نتاج "تخطيط مركزي أو مشروع سياسي متكامل".

الطائفية كأداة سياسية

مما لا شك فيه أن وقوع الاعتداءات والجرائم الأخيرة في مناطق سورية مختلفة مثل طرطوس وحماة ووادي النصارى، والتي تمثلت باغتيالات وهجمات طالت مكونات سورية (علويون ومسيحيون وسنة)، لا يمكن المرور عليها دون اهتمام بالغ أو اعتبارها مجرد جرائم عشوائية، وفق ما يرى الباحث والمحلل السياسي نادر الخليل.

وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر الخليل أن هذه الحوادث جزء من محاولات منظمة لإشعال نيران الفتنة الطائفية، وخاصة قبل الانتخابات التشريعية التي تجري حاليًا. ولأول مرة منذ سقوط النظام، تشهد سوريا انتخابات تشريعية، حيث سيكون "مجلس كفاءات وطنية، يراعي التمثيل الجغرافي والمناطقي والاجتماعي والمهني، ويضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري في أول برلمان بعد الثورة"، وفق ما قاله المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، نوار نجمة، على منصة "إكس"، في 28 من أيلول الماضي.

وباعتقاد المحلل السياسي السوري، فإن الهدف الأساسي لهذه الأعمال هو "زعزعة الاستقرار الأهلي، وترهيب المرشحين وأعضاء الهيئات الناخبة ودفعهم للانسحاب" أو عدم المشاركة، لإفشال استمرار عملية الانتخاب وبالتالي "إفشال مسار الانتقال الديمقراطي". وقال الخليل إن "التنوع الطائفي في الاستهدافات يشير إلى وجود نمط مدروس ومتعمد ومخطط له". وهذا ما يرجح، من وجهة نظره، بنسبة عالية وجود "فاعل خارجي، مثل إسرائيل"، التي قد تسعى إلى تفتيت سوريا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وخاصة في الجنوب والجولان، وربما جهات تابعة لفلول النظام الساقط وحلفائه، على حد تعبيره.

واعتبر المحلل السياسي أن ظاهرة السلاح المنفلت بعد الحرب وسقوط نظام الأسد ووقوع عمليات الثأر المدعومة من فلول النظام السابق، بالإضافة إلى الضعف الأمني والاستخباراتي للسلطة الانتقالية في سوريا، هي "عوامل أسهمت في تفاقم هذه الأزمة واستمرار وقوعها".

ويرى الخليل أن ما يحدث اليوم يثبت أن "الطائفية" تُستخدم كأداة لتحقيق أهداف سياسية أكثر من كونها هدفًا بحد ذاته. واقترح الخليل حلًا متمثلًا في اتخاذ خطوات عملية عاجلة ومستمرة، مثل:

  • نزع السلاح غير الشرعي حتى لو بدعم إقليمي أو دولي وفق أسس وطنية وسيادة الدولة.
  • تعزيز آليات المحاسبة الصارمة لكل من يخالف القانون ويهدد السلم والأمن الوطني.
  • فتح حوار "وطني- طائفي" يضمن تمثيلًا عادلًا لجميع الأطياف.

وختم الخليل بالقول إنه سواء كانت هذه "الاعتداءات" ناتجة عن فواعل خارجية أو أسباب داخلية، فهي "تهدد مسار الانتقال الديمقراطي" وتُبرز الحاجة إلى "معالجة جذرية" للقضايا الأمنية والطائفية لضمان استقرار مستدام في سوريا ولكل مكوناتها.

مشاركة المقال: