الإثنين, 29 سبتمبر 2025 12:43 PM

كيف حوّل ترامب الدبلوماسية الأمريكية إلى صفقة عقارية؟

كيف حوّل ترامب الدبلوماسية الأمريكية إلى صفقة عقارية؟

تحاول لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي تحليل كيف قام ترامب وبعض ممثلي إدارته بدمج مفاهيم التطوير العقاري في صلب الدبلوماسية الأمريكية والسياسة الخارجية. لقد قدموا خطابًا حول الحدود والسيادة والهيمنة والشرعية، وهو أقرب إلى لغة المعاملات التجارية وإدارة الشركات المتعددة الجنسيات منه إلى اللغة المهنية للدبلوماسية التقليدية. هذا التحول جعل الولايات المتحدة تبدو كشركة استثمار عقاري عابرة للحدود، مما يعكس رؤية ترامب لنفسه كمطور عقاري ونوعية الأشخاص الذين اختارهم لإدارته.

معجم إدارة ترامب للدبلوماسية

تتجلى أبرز الرمزيات اللغوية لقطيعة إدارة ترامب مع الإرث الدبلوماسي في إعادة تسمية وزارة الدفاع بوزارة الحرب، وهو تصعيد خطابي لافت. يطغى على المعجم الجديد كلمات مثل "شراء" و"امتلاك" و"إعادة تطوير" و"مشروع" و"موقع" و"استثمار"، مقابل مفردات العلاقات والقانون الدولي. تظهر ألقاب مثل "رب العمل أو السيد" (boss) بدلًا من رئيس دولة، و"مرتزقة أو عامل مأجور" (mercenary) بدلًا من "دبلوماسي". تتم الإشارة إلى مناطق جغرافية وأراضي شعوب ودول أخرى بـ"منطقة استثمار" أو "أرض شاغرة" أو "مُدمرة غير آهلة". توصف شعوب وحكومات وأطراف دولية بالحوكمة الفاشلة والفوضوية والعجز، في مقابل وصف جهود إدارة ترامب بالمُنتِجة والمثمرة والعقلانية والواقعية.

يتشابك خطاب سوق العقارات النيوليبرالي مع الخطاب الأمني لعقلنة مسار إدارة ترامب في إطار الهيمنة النيوكولونيالية، وتسويق نشاط مجمعها الصناعي العسكري على أنه دعم للحلفاء وليس تدخلات عسكرية مباشرة. يتبنى الخطاب معادلات أيديولوجية مثل أن "التنمية الاقتصادية تساوي السلام"، و"رأس المال الخاص يعني الكفاءة"، و"الأمن والاستقرار يتطلبان الاستثمار والازدهار الاقتصادي".

الهيمنة والشرعية

في انعكاس لأولويات الولايات المتحدة في الهيمنة وإرثها الكولونيالي، يتعامل ترامب مع حدود الدول كمناطق توسع يمكن تشييئها وتسليعها وامتلاكها، وإعادة تسويقها كالعلامات التجارية. تبرز إعادة تسمية المناطق ورسم الخرائط كعمل مرادف لادعاء ملكيتها والاستحواذ عليها، مثل تصريحات ترامب حول إمكانية تحويل كندا إلى الولاية الـ51 الأمريكية عبر صفقة ما، وتغيير وزارة الداخلية الأمريكية اسم "خليج المكسيك" إلى "خليج أمريكا". بالإضافة إلى محاولات استحواذ أخرى لترامب في التعامل مع الحدود والمناطق والدول كمساحة عقارية قابلة للاستثمار، من استعادة قناة بنما، والهيمنة على قطاع غزة بوصفه "مشروعًا سياحيًا"، إلى امتلاك غرينلاند.

إقليميًا، وفي سياق منطقة جنوب غرب آسيا، فقد تحدث ترامب عن "صِغر مساحة إسرائيل على الخارطة، ولطالما فكر بتوسيعها". وقد سبق لمسؤول كبير في إدارة ترامب بأن شبه "الحدود الحديثة لإسرائيل" في عام 1926 و1948 و1976 و1973 بأنها رُسمت على أسس وهمية، مثيرًا الشكوك حول بقاء بعض الدول القومية في الشرق الأوسط، منتقدًا "اليد القبيحة للغرب" في تقسيم الدولة العثمانية والتي أشاد في نموذج حكمها. وفي ذات الإطار، أوضح المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توم براك، في حواره مع هادلي غامبل، رؤية إدارة ترامب للنزاعات ودول المنطقة ومآلات المرحلة قائلًا: "لم يكن هناك سلام من قبل، وربما لن يكون هناك سلام في المستقبل، لأن الجميع يقاتل من أجل الشرعية (...) الحدود هي مجرد عملة تفاوض، النتيجة النهائية هي أن طرفًا يريد الهيمنة، وهذا يعني، أن طرفًا آخر يجب أن يخضع".

يتجلى في هذه الأمثلة قصور هذه العقلية في فهم شعوب المنطقة، والتأطير الكولونيالي والنيوليبرالي للأرض كمكان حيادي لا معنى له بحد ذاته، بل سلعة، تُحدد المصالح الاقتصادية والسياسية سعرها، وتأتي الشرعية من القوة والسلطة المهيمنة، ويُرَحل السكان ويتم نقلهم كما تنقل البضائع والأصول، بينما، في الموروث الثقافي الجمعي في منطقتنا، الأرض هي الشرف والجذر وأصل الهوية والانتماء، والتمسك بها في وجه احتلال أو استعمار مقرون بالكرامة والاستمرار عبر الأجيال والوجود.

مشاركة المقال: