الأحد, 28 سبتمبر 2025 05:55 PM

رنكوس تستعيد ذكرى مجزرة مسجد خالد بن الوليد: فاجعة لا تُمحى من الذاكرة

رنكوس تستعيد ذكرى مجزرة مسجد خالد بن الوليد: فاجعة لا تُمحى من الذاكرة

في ذكرى أليمة، تستعيد بلدة رنكوس تفاصيل مجزرة مسجد خالد بن الوليد التي وقعت في سهلها بتاريخ 27 أيلول 2013. ففي تمام الساعة 1:15 ظهرًا من يوم جمعة، تحوّل المسجد إلى ساحة مروعة بعد أن كان ملاذًا للمصلين.

كان المسجد يكتظ بأهالي البلدة، بالإضافة إلى ثوار ومهجرين من حمص والقصير وبلدات القلمون، الذين وجدوا فيه ملجأً من ويلات الحرب. قبل 12 عامًا، وبعد انتهاء صلاة الجمعة، وبينما كان المصلون يغادرون، دوى انفجار هائل هز أركان المسجد.

لم يدرك أحد في البداية أن هذا الصوت المروع ناتج عن سيارة مفخخة. سرعان ما تكشفت الحقيقة المرة: انفجار أودى بحياة العشرات، حيث قُدّر عدد الشهداء بحوالي 75 أو أكثر، وأصيب المئات بجروح. جُمعت الجثث المتفحمة ودُفنت في أراضٍ زراعية لتعذر التعرف على هوياتها.

رنكوس وحدها فقدت قرابة أربعين شهيدًا من أبنائها، وعائلات بأكملها تشتت. كان المشهد من أحلك اللحظات في تاريخ القلمون خلال سنوات الحرب، حيث لم يستثن التفجير أحدًا، لا طفلًا ولا شيخًا.

أبو النور الخطيب، الذي فقد ستة من أولاده وأولاد إخوته في التفجير، يروي بصوت يخنقه الألم: "تهجرنا من البلدة خوفًا على أطفالنا، ويوم الجمعة ذهبنا إلى المسجد. بعد الصلاة، سُمع صوت قوي وتحطم زجاج الجامع. أُصبت في رأسي، وعثرنا على أربعة من أولادنا جثثًا هامدة، واثنان لم نجدهما".

يضيف الخطيب بحسرة: "حملناهم إلى المشفى الميداني، لكن قدر الله انتقاهم شهداء". دفن أبو النور أبناءه في إحدى المزارع، حيث بلغ عدد القتلى آنذاك حوالي 75 أو أكثر. ويقول: "لم ننسَ ولن ننسى مشهد أولادنا المحترقين، والسيارات المشتعلة، وحرم المسجد الذي تحول إلى كتلة نار".

يذكر أن من بين الشهداء نور الدين محمود الخطيب، الذي كان يبلغ من العمر 10 سنوات، وأسامة عبد السلام الخطيب، الذي كان يبلغ من العمر 16 سنة، بالإضافة إلى أبناء أبو النور الأربعة: أيمن (20 عامًا)، أمجد (17 عامًا)، وسيم (15 عامًا)، والطفل أحمد (6 سنوات).

بلال بالوش (30 عامًا)، أحد المصابين، يروي معاناته المستمرة: "أُصبت في قدميّ، وأجريت أكثر من ثلاث عمليات. الألم لم يكن جسديًا فقط، بل نفسيًا. المسجد كان ملاذنا، ويؤلمنا أن نواجه هذا التحول المرعب من مكان عبادة إلى مكان موت".

بعد سنوات من الإغلاق، شهد المسجد ترميمًا وأعيد افتتاحه، وعُقدت فيه أول صلاة جماعية بعد نحو عقد من الصمت. لكن إعادة البناء لا تمحو صور الضحايا وأصوات الصراخ، ولا الخيبة والغضب من الذين اعتبرهم الأهالي "خونة" أو شركاء في الجريمة.

تقف رنكوس اليوم أمام مأساة يحتفظ بها التاريخ المحلي كدرس عن ثمن الحرية، وما لحق بالمجتمع من دمار بفعل العنف والخيانة. يبقى المسجد شاهدًا على خسارة جماعية، وعلى بطولات دفع من خلالها السكان أثمانًا باهظة من الدماء.

في ذكرى تلك الجريمة، تُستعاد الوجوه والأسماء: نور الدين، أسامة، أيمن، أمجد، وسيم، أحمد… أسماء باتت مرآة لوجع لا يندمل. يحمل أهالي رنكوس ذكرى الضحايا والخيانة، ويحيون قصص الصمود، وتستمر الجهود لإعادة بناء ما تهدّم.

مشاركة المقال: