الأحد, 21 سبتمبر 2025 03:14 PM

إسرائيل تسعى لترسيخ ممر جوي فوق سوريا عبر اتفاق أمني مقترح

إسرائيل تسعى لترسيخ ممر جوي فوق سوريا عبر اتفاق أمني مقترح

عنب بلدي – محمد كاخي – منذ عام 2024، وبعد سقوط النظام السوري، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية “سهم باشان” في 8 كانون الأول، والتي استهدفت تدمير معظم القدرات العسكرية للجيش السوري، وعلى رأسها أنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك الطائرات والقواعد والصواريخ والرادارات واللوجستيات المرتبطة بها.

وفقًا لدراسة صادرة عن معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” في عام 2013، كانت الدفاعات الجوية السورية في دمشق تشكل تهديدًا كبيرًا لأي عمليات جوية في الأجواء السورية، نظرًا لتداخلها الكثيف وتضمينها صواريخ أرض-جو متطورة ومتحركة (مثل SA-6 وSA-3 المطوّرة أو SA-17 وSA-22 الحديثة).

على مدى عقدين تقريبًا، مارست إسرائيل ضغوطًا على الولايات المتحدة لمساعدتها في حملة جوية تهدف إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني، حيث كان سلاحها الجوي المتطور يفتقر إلى المدى وخطوط العبور الآمنة اللازمة لتنفيذ ضربات عميقة داخل إيران بمفرده. كان من الصعب على إسرائيل الوصول إلى العمق الإيراني بوجود نحو 965.6 كم من الأجواء السورية والعراقية، والأهم أن إسرائيل لم تكن تستطيع المخاطرة بإدخال طائراتها للتزود بالوقود من طراز “KC-707” إلى الأجواء السورية، طالما تملك دمشق أنظمة صواريخ نشطة بعيدة المدى وعالية الارتفاع مثل “S-200″ و”S-300”.

الأجواء السورية مسرح العمليات

في 13 حزيران الماضي، أعلنت إسرائيل عن عملية “الأسد الصاعد”، التي استهدفت منشآت إيران النووية وقواعد إطلاق صواريخ باليستية وعلماء طاقة نووية إيرانيين. استخدم الجيش الإسرائيلي في العملية طائرات “F-15″ و”F-16″ و”F-35”.

وفرت الأجواء السورية الآمنة ملاذًا آمنًا لطائرات كان من السهل إسقاطها سابقًا، مثل طائرة “F-16″، بالإضافة إلى سهولة تزويد هذه الطائرات بالوقود. وبحسب صحيفة “فوربس” الأمريكية، شوهدت طائرتا تزويد وقود من طراز “KC-130H” على ارتفاع منخفض فوق سوريا في صباح يوم العملية، الأمر الذي يؤكده الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب العقيد خالد المطلق، الذي قال لعنب بلدي، إن طائرات التزود بالوقود تتميز عن نظيرتها القتالية بأنها كبيرة الحجم وإشارتها واضحة على الرادار، بسبب سطحها العاكس الفعال، وبالتالي يسهل رصدها بوسائط الاستطلاع، واستهدافها حال توفر المعدات المناسبة.

في 9 أيلول الحالي، استهدفت إسرائيل اجتماعًا لقادة حركة “حماس” في الدوحة، وأعلن الجيش الإسرائيلي عبر حسابه في منصة “إكس” أنه نفذ العملية باستخدام ذخائر دقيقة والاستناد إلى معلومات استخباراتية إضافية. وبحسب التحليلات الأولية لوكالة استخبارات أوروبية، قالت لصحيفة “الإنتيليجنس” الفرنسية، إن إسرائيل استخدمت صواريخ باليستية جو-أرض من طراز “Silver Sparrow” في ضرباتها التي استهدفت الدوحة. تستخدم القوات الجوية الإسرائيلية (IAF) مقاتلات من طراز “F-15” أو “F-16” لحمل هذه الصواريخ، ولكي تعمل هذه الطائرات دون اكتشاف الرادارات، كان عليها الطيران فوق سوريا، التي لا تمتلك أنظمة دفاع جوي. مكّن مدى الصاروخ البالغ 2000 كم القوات الجوية الإسرائيلية من الوصول بسهولة إلى الدوحة من المجال الجوي السوري، لتتجنب بذلك القوات الإسرائيلية الطيران فوق دول أخرى، مثل الأردن أو العراق.

يرى الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب العقيد خالد المطلق، أن أنظمة الدفاع الجوي السوري كانت متهالكة وضعيفة أساسًا، وأن إسرائيل كانت تحفظ ماء وجه بشار الأسد وحافظ الأسد كي لا يظهرا بمظهر الضعفاء، عدا عن ذلك، استهدفت إسرائيل، بحسب المطلق، مواقع حيوية مثل مفاعل “الكبر” بدير الزور، كما استهدفت كثيرًا من تدريبات الفصائل الفلسطينية في عين الصاحب أو الدريج، دون مقاومة، وهناك فرق فني كبير بين سلاح الجو الإسرائيلي وأنظمة الدفاع الجوي السوري السابقة.

ويرى الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان، أن إسرائيل استفادت، وستستفيد، من اعتبار سوريا بوابة عبور لطائراتها نحو أهدافها المحتملة، كالميليشيات العراقية، والمفاعلات النووية الإيرانية، ومواقع الجيش الإيراني، واستطاعت من خلال تدمير منظومة الدفاع الجوي السوري توفير المال، والجهد اللوجستي، عبر استخدام المجال الجوي السوري للعبور والتزود بالوقود دون أي اعتراض.

الممر الجوي كـ”مبدأ مركزي” للتفاوض

نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي، في 16 أيلول، عما وصفهما بـ”مصدرين مطلعين”، أن إسرائيل قدمت لسوريا مقترحًا مفصلًا لاتفاق أمني جديد. وأشار الموقع إلى أن “المبدأ المركزي” للاقتراح الإسرائيلي هو الحفاظ على “ممر جوي” إلى إيران عبر سوريا، وهو ما من شأنه أن يسمح بشن ضربات إسرائيلية مستقبلية محتملة على إيران.

بالرغم من العملية الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت إيران، فإن تقارير أمنية تشير إلى أن هجومًا آخر قد تشنه إسرائيل والولايات المتحدة على إيران في الفترة المقبلة.

الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، قال لعنب بلدي، إن طلب إسرائيل حق العبور الجوي في الأجواء السورية يمس جوهر سيادة الدول، إذ يقر القانون الدولي، وفق اتفاقية “شيكاغو للطيران المدني” لعام 1944، بسيادة الدول المطلقة على مجالها الجوي، ومنح مثل هذا الامتياز لإسرائيل يعادل إقرارًا بدور إسرائيلي مباشر في ضبط السماء السورية، ما يترجَم سياسيًا كشرعنة حرية مناورة سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء السورية.

ويرى الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان، أن طلب إسرائيل ينقل التحكم الفعلي بالأجواء السورية من دمشق إلى تل أبيب، ويفتح الأجواء السورية أمام عمليات عسكرية أو استخباراتية اسرائيلية، ومن الناحية السياسية، يكرّس صورة إسرائيل كقوة “فوق إقليمية” تفرض شروطها على دول الجوار، وتجعل أي اتفاق مستقبلي أمني غير متكافئ.

ونوه الباحث شعبان إلى أنه يجب على الحكومة السورية استغلال حاجة إسرائيل للأجواء السورية كورقة تفاوضية تضغط بها للحصول على مطالب أخرى، خصوصًا في ظل ندرة الأوراق التفاوضية لدى دمشق، فيمكن لسوريا، في حال حدث اتفاق أمني، طلب ضمانات بعدم استغلال المجال الجوي ضدها استخباراتيًا، ووقف الغارات الجوية والانتهاكات البرية، وضمان عدم تدخل إسرائيل بالملفات الداخلية السورية.

اللجوء للقانون الدولي

يعد انتهاك الأجواء السورية خرقًا لمبدأ لسيادة الإقليمية المنصوص عليها في القانون الدولي، وخصوصًا اتفاقية “شيكاغو للطيران المدني” لعام 1944، واتفاقيات “لاهاي” لعامي 1899-1907، لا سيما أن تلك الانتهاكات تمّت بهدف تنفيذ عمليات عدوان ضد دول أخرى، بحسب الباحث والاستشاري في القانون الدولي محمد حربلية.

وبحسب تقدير الباحث في الشؤون العسكرية نوار شعبان، فإن غياب الرد على إسرائيل، عبر التاريخ، أثبت أنه يدفعها إلى رفع سقف مطالبها، وتوسيع نطاق عملياتها، وبالتالي، الصمت السوري، والعجز عن الرد، سيكون أثره “كارثيًا”، ولا بد للحكومة السورية من التحرك دبلوماسيًا وقانونيًا بما هو ممكن.

ويشرح الباحث والاستشاري في القانون الدولي محمد حربلية، الواقع القانوني للخروقات الإسرائيلية للمجال الجوي السوري، قائلًا إن سوريا تعتبر نظريًا مسؤولة قانونيًا عن اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع استخدام أراضيها لشن عمليات عدوانية من قبل إسرائيل تجاه دول أخرى، لكنها عمليًا غير قادرة على منع ذلك نظرًا إلى ضعف قدراتها الدفاعية، الأمر الذي يرتب على المجتمع الدولي والأمم المتحدة اتخاذ إجراءات قانونية وقسرية رادعة لإسرائيل لوقف انتهاك الأجواء السورية، واستخدامها في أعمال عدوانية ضد دول أخرى، وعدم اكتفاء المجتمع الدولي بإصدار بيانات الإدانة والتنديد.

وبالرغم من أن إسرائيل لم تتعرض لأي مساءلة دولية على كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها على مدار عقود، فإنه، وبحسب حربلية، يمكن اتخاذ مزيد من الإجراءات القانونية لإدانتها على المستوى الدولي، ويتجلى ذلك من خلال:

  • تقديم شكوى ضد إسرائيل من الحكومة السورية إلى مجلس الأمن الدولي نتيجة انتهاكها للأجواء السورية، وفي حال فشل مجلس الأمن في ذلك يمكن محاولة الطلب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل عقد جلسة طارئة استنادًا إلى قرار “الاتحاد من أجل السلام”، لاتخاذ توصيات للدول الأعضاء، يمكن أن تتحول إلى تدابير قسرية ضد إسرائيل.
  • يمكن للحكومة السورية كذلك تقديم شكوى إلى منظمة الطيران المدني الدولي، التي تعتبر الجهة المشرفة على تطبيق اتفاقية “شيكاغو للطيران المدني”، وتقديم تلك الشكوى له فوائد عديدة، إذ إنه يساعد على إثبات الانتهاك الإسرائيلي، وأن الحكومة السورية لم تقصّر في تقديم شكوى أمام جهة دولية لوقفه.
مشاركة المقال: