الجمعة, 19 سبتمبر 2025 06:27 PM

تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط: دوافع الاتفاق الدفاعي السعودي الباكستاني وتداعياته

تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط: دوافع الاتفاق الدفاعي السعودي الباكستاني وتداعياته

كتب محمد خير الوادي: لم يكن الإعلان عن توقيع اتفاق دفاعي بين السعودية والباكستان وليد اللحظة، بل جاء نتيجة لتطورات مهمة في المنطقة، مما جعل هذا الإعلان ضرورة ملحة لكلا الطرفين. هذا الاتفاق سيفرض معادلات جديدة في المنطقة، وسيغير العديد من المفاهيم التي سعت إسرائيل لفرضها في الشرق الأوسط.

الرياض تقدم على هذه الخطوة الحاسمة، أي الاتفاق الدفاعي مع الباكستان، للأسباب التالية:

أولاً: راقبت الرياض بقلق بالغ تصاعد التهديدات الإسرائيلية، وتصرفات نتنياهو، الذي أعلن في أيار من العام الجاري، أن تغيير وجه الشرق الأوسط وإقامة إسرائيل الكبرى، هي مهمة تاريخية وروحية. هذا الإعلان يعني أن حكومة المتطرفين الحالية في تل أبيب لم تعد تكتفي بابتلاع ما تبقى من فلسطين، وإنهاء القضية الفلسطينية، بل تتطلع إلى الهيمنة الكاملة على المنطقة، والاستيلاء على ثرواتها تمهيداً لبناء إسرائيل التوراتية. هذا التوجه الإسرائيلي يعني دفع سياسة التوسع الصهيوني إلى ما بعد فلسطين، أي إلى أراض ودول عربية جديدة. إن استعراضاً تاريخياً سريعاً للأحداث يؤكد أن الأطماع التوسعية الإسرائيلية تجاه العرب كانت على الدوام سياسة ثابتة لدى الحكومات الإسرائيلية كلها، بغض النظر عن هويتها العلمانية الليبرالية أو الدينية المتطرفة. لذلك رفضت إسرائيل جهود السلام كلها مع الدول العربية، وعارضت مبدأ الأرض مقابل السلام، وتدمر اليوم مبدأ إقامة دولة فلسطينية، وتتملص من رسم حدود دائمة ومعترف بها دولياً للدولة اليهودية. ولا بد من الإشارة إلى أن أنظار الصهاينة كانت دائماً شاخصة نحو ثروات دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية. وقد أثار هذا التوجه الإسرائيلي مخاوف مشروعة في الرياض، ودفعها للبحث عن وسيلة لمواجهة تلك الأخطار، تجلت في الاتفاق الدفاعي مع الباكستان.

ثانياً: تبنت إسرائيل استراتيجية إبقاء العرب ضعفاء، وعدم السماح لهم بامتلاك أية أسلحة تهدد الكيان الصهيوني. وعلى هذا الأساس أقرت تل أبيب ما أسمته “بعقيدة ميناحيم بيغن” الرامية إلى منع الدول العربية من امتلاك الأسلحة النووية، والحفاظ على هيمنة إسرائيل النووية في المنطقة. ولتحقيق ذلك، دمرت إسرائيل المفاعل النووي العراقي عام 1981، واغتالت عشرات العراقيين من علماء الذرة. كما قتلت خيرة علماء مصر النوويين، ودفعت باتجاه تفكيك البرنامج النووي الليبي عام 2003، وادعت عام 2007 أنها دمرت مفاعلاً نووياً سورياً. هذا السلوك الإسرائيلي أقنع الرياض بأن سعيها لامتلاك أسلحة غير تقليدية لمجابهة التحديات الإسرائيلية يمكن أن يضعها في دائرة النار الإسرائيلية، ولذلك أقدمت الرياض على خطوة بديلة، وهي التحالف العسكري مع دولة نووية إسلامية وهي الباكستان. وهذا التوجه يمكن أن يجنب البلاد التبعات الخطيرة والتهديدات الناجمة عن امتلاك الرياض أسلحة نووية خاصة بها.

ثالثاً: أدركت الرياض أن تحالفها مع الولايات المتحدة لا يدرأ عنها الخطر الصهيوني، وذلك لسببين، أولهما أن نتنياهو بات يسيطر عملياً على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط ويتحكم بها، وثانيهما أن البنتاغون الأمريكي قد زود الجيش الإسرائيلي بشيفرة الأسلحة الأمريكية المتقدمة التي اشترتها السعودية من أمريكا. وقد استخدمت إسرائيل هذه الشيفرة أثناء عدوانها على الدوحة، لشل منظومات الدفاع الخليجية كلها، بما فيها القطرية. وهذا أقنع الرياض بأن واشنطن لم تعد الحليف الموثوق الذي يساعدها في أوقات الشدة.

أما عن الأسباب التي دفعت إسلام أباد إلى توقيع تلك الاتفاقية المذكورة مع الرياض:

بدايةً، كانت القيادة الباكستانية ترفض مقولة أن القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة إسلامية هدفها الدفاع عن المسلمين، وتتحدث دائماً عن أن تلك القنبلة مخصصة لحماية الأمن الوطني الباكستاني، وأنها لن تُستخدم خارج هذا الإطار. والسؤال الذي يطرح اليوم: ما الذي جعل الباكستان تغير موقفها هذا، وتقدم على إعارة مظلتها النووية للمملكة العربية السعودية؟ هناك عدة أسباب لذلك، على رأسها تنامي التحالف بين حكومة مودي الهندية المتطرفة ونتنياهو. والعنوان العام لهذا التحالف هو العداء للمسلمين ومكافحة “الإرهاب الإسلامي”. وكل من تل أبيب ودلهي تدعيان أن الباكستان باتت اليوم قاعدة للمتطرفين الإسلاميين، وهو ما يشكل ضغوطاً إضافية على الباكستان. ولمواجهة ذلك، تسارع حكومة إسلام أباد للانفتاح على الدول الإسلامية. فقد زادت من تقاربها مع إندونيسيا، وطورت علاقاتها بشكل لافت مع تركيا، حيث تم خلال العام المنصرم التوقيع على اتفاقات عسكرية مهمة جداً مع تركيا، لإنتاج الأسلحة وتبادل الدعم. واليوم جاء دور السعودية، التي تحظى بمكانة خاصة في السياسة الباكستانية، نظراً للعلاقات التاريخية بين البلدين. وهناك عامل آخر دفع إسلام أباد للإسراع على التقارب مع السعودية، وهو أن تعميق التحالف بين مودي ونتنياهو يضطر الباكستان إلى السعي الدائم لتطوير قدراتها الدفاعية، بما في ذلك الأسلحة النووية، لمواجهة الاعتداءات الهندية المتواصلة والمدعومة من جانب إسرائيل. وهذا السعي يتطلب أموالاً طائلة ليست متوفرة في الخزينة الباكستانية. وقد وجدت الباكستان أن اتفاقاً دفاعياً مع أغنى دولة في المنطقة سيوفر للجيش الباكستاني الإمكانات المالية الضرورية لتطوير أسلحته الاستراتيجية.

وإجمالاً، فإن حرص الباكستان على التقارب مع الدول الإسلامية إنما يأتي في إطار جهود إسلام أباد لإقامة “ناتو إسلامي”، لمواجهة الأخطار الناتجة عن الحلف الهندي الإسرائيلي.

وهناك سبب آخر لانفتاح الباكستان عسكرياً على الدول الإسلامية، بما فيها السعودية، ويتجلى في الموقف العدائي الذي تتخذه واشنطن حتى اليوم من الحكومة الباكستانية. وقد وصل العداء الأمريكي هذا إلى حد فرض عقوبات أمريكية مشددة على الباكستان، كان آخرها عام 2024، عندما أقرت أمريكا عقوبات مشددة على البرنامج الصاروخي الباكستاني.

ولا يمكن إغفال سبب آخر دفع الحكومة الباكستانية إلى اتباع سياسة نشطة ضد تهديدات إسرائيل للدول العربية، وهو التضامن التاريخي التقليدي للشعب الباكستاني مع القضية الفلسطينية، والذي لم يقتصر على مظاهرات التنديد فحسب، بل تجلى أيضاً في مشاركة الجيش الباكستاني إلى جانب العرب في معظم الحروب التي حدثت في المنطقة ضد إسرائيل. هذه المشاعر الشعبية والرسمية المعادية لإسرائيل في باكستان سهلت على الحكومة الباكستانية التوقيع على معاهدة دفاع مشترك مع السعودية التي تتعرض اليوم لتهديد إسرائيلي مباشر.

لهذه الأسباب مجتمعة، قررت الحكومتان السعودية والباكستانية التوقيع على اتفاق دفاعي مشترك، ستكون له مفاعيل كبيرة على التطورات في المنطقة والعالم (اخبار سوريا الوطن1-مركز الوادي للدراسات الأسيوية).

مشاركة المقال: